نافية (١) ، وتكون الجملة المنفية صفة ل «قوما» أي قوما غير منذر آباؤهم. ويجوز أن تكون زائدة أي قوما أنذر آباؤهم. والجملة المثبتة أيضا صفة ل «قوما». قاله أبو البقاء (٢).
وهو مناف للوجه الذي قبله. فعلى قولنا ما نافية ، فالمعنى ما أنذر آباؤهم الأدنون وإن قلنا : ما للإثبات فالمعنى لينذروا (٣) بما أنذر آباؤهم الأولون. وقوله : (فَهُمْ غافِلُونَ) أي عن الإيمان والرشد.
قوله تعالى : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ)(١٢)
قوله : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ) وجب العذاب (عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وهذا كقوله: (وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) [الزمر : ٧١] وفي الآية وجوه :
أشهرها : أن المراد من القول هو قوله تعالى : (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي) [السجدة : ١٣] (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ) [ص : ٨٥].
والثاني : أن معناه لقد سبق في علمه أن هذا يؤمن وهذا لا يؤمن فحق القول أي وجد وثبت بحيث لا يبدّل بغيره. لا يبدل القول لدي.
الثالث : المراد لقد حق القول الذي قاله الله على لسان الرسل من التوحيد وغيره وبان برهانه ، فإنهم لمّا لم يؤمنوا عند ما ما حق القول واستمروا ، فإن كانوا يريدون شيئا أوضح من البرهان فهو العناد (٤) وعند العناد لا يفيد الإيمان. وقوله : (عَلى أَكْثَرِهِمْ) على هذا الوجه معناه أن من لم تبلغه الدعوة والبرهان قليلون فحق القول على أكثرهم وهو من (٥) لم يوجد منه الإيمان وعلى الأول والثاني ظاهر ، لأن أكثر (٦) الكفار ماتوا على الكفر.
قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) نزلت في أبي جهل وصاحبيه ، وذلك أن أبا جهل كان (قد) (٧) حلف لئن رأى محمدا يصلّي ليرضخنّ رأسه بالحجارة فأتاه وهو
__________________
(١) وهو اختيار الزّجّاج والفراء والنحاس ومكّيّ وأبي البقاء والزمخشري انظر : المراجع السابقة.
(٢) التبيان ١٠٧٩.
(٣) في ب «لتنذروا».
(٤) في الرازي : العيان.
(٥) في «ب» : الذي لم يوجد.
(٦) وفيها : أكبر بالباء.
(٧) سقط من «ب».