فصل
لما بين الركوب والأكل ذكر غير ذلك فقال : (وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ) فالمراد بالمنافع أصوافها وأوبارها وأشعارها ونسلها وبالمشارب ألبانها ، والمشارب جمع مشرب بالفتح مصدرا (١) ومكانا(٢). ثم قال : (أَفَلا يَشْكُرُونَ) ربّ هذه النعم (وَ (٣) اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً) إشارة إلى بيان زيادة ضلالهم لأنه كان الواجب عليهم عبادة الله شكرا لأنعمه فتركوها ، وأقبلوا على عبادة من لا يضر ولا ينفع (لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) أي ليمنعهم من عذاب الله ولا يكون ذلك (٣) ، والضمير في قوله : (لا يَسْتَطِيعُونَ) إما للآلهة وإما لعابديها وكذلك الضمائر بعده (٤). قال ابن عباس : لا تقدر (٥) الأصنام على نصرهم ومنعهم من العذاب (وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) أي الكفار جند للأصنام (٦) فيغضبون لها ويحضرونها في الدنيا وهي لا تسوق لهم خيرا ولا تستطيع لهم نصرا ، وقيل : هذا في الآخرة يؤتى بكل معبود من دون الله ومعه أتباعه الذين عبدوه كأنهم جند (ه) (٧) يحضرون (٨)(٩) في النار. وهذا إشارة إلى الحشر بعد تقرير التوحيد. وهذا كقوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨] وقوله : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِفَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ٢٢ ـ ٢٣].
قوله : (فَلا يَحْزُنْكَ) قد تقدم قراءة «يحزن» و «يحزن». «قولهم» يعني قول الكفار في تكذيبك وهذا إشارة إلى الرسالة لأن الخطاب معه بما يوجب تسلية قلبه (إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) ما يسرون في ضمائرهم وما يعلنون من عبادة الأصنام أو ما يعلنون بألسنتهم من الأذى.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى
__________________
ـ الأقداح من كثرة لبنها. وجيء بالبيت حتى يقول : إن ركبانه وحلبانه مما تكلمت به العرب بمعنى الكثيرة الحلب والصالحة للركوب.
(١) ميميا من الفعل الثلاثي.
(٢) في ب أي مكانها وهو جائز.
(٣) اسم مكان أيضا من الثلاثي وانظر : البحر ٧ / ٣٤٧ والدر ٤ / ٥٣٤ والكشاف ٣ / ٣٣٠.
(٤) الرازي ٢٦ / ١٠٦ ومعالم التنزيل ٦ / ١٦.
(٥) البحر والدر والكشاف السابقة.
(٦) في ب يقدر بالتذكير.
(٧) في ب جند الأصنام.
(٨) زيادة من أ.
(٩) في ب محضرون.