موقع المضمر إذ كان الأصل أفأنت تنقذه وإنما وقع موقعه شهادة عليه بذلك ، وإلى هذا نحا الحوفيّ (١) والزمخشريّ (٢) ، قال الحوفي : وجيء بألف الاستفهام لمّا طال الكلام توكيدا ولو لا طوله لم يجز الإتيان بها لأنه لا يصلح في العربية أن يؤتى بألف الاستفهام في الاسم ، وألف أخرى في الجزاء ومعنى الكلام أفأنت تنقذه (٣).
وعلى القول بكونها شرطية يترتّب على قول الزمخشري وقول الجمهور مسألة وهو أنه على قول الجمهور يكون قد اجتمع شرط واستفهام. وفيه حينئذ خلاف بين سيبويه ويونس هل الجملة الأخيرة في جواب الاستفهام وهو قول يونس أو جواب الشرط وهو قول سيبويه (٤).
وأما على قول الزمخشري فلم يجتمع (٥) شرط (و) (٦) استفهام ؛ إذ أداة الاستفهام عنده داخلة على جملة محذوفة عطفت عليها جملة الشرط ولو (٧) لم يدخل على جملة الشرط (٨). وقوله : (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ) استفهام توقيف ، وقدم فيها الضمير إشعارا بأنك لست قادرا على إنقاذه إنما القادر عليه الله وحده (٩).
فصل
قال ابن عباس : معنى الآية من سبق في علم الله أنه في النار. وقيل كلمة العذاب قوله تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). وقيل : هي قوله : «هؤلاء في النار ولا أبالي»(١٠).
فصل
احتج أهل السنة بهذه الآية في مسألة الهدى والضلال بقوله : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) ، فإذا حقت كلمة العذاب عليه امتنع منه فعل الإيمان والطاعة وإلّا لزم (انقلاب) (١١) خبر الله الصدق كذبا وانقلاب علمه جهلا ، وهو محال ، وأيضا فإنه تعالى
__________________
(١) البحر المحيط ٧ / ٤٢١.
(٢) قال : «أصل الكلام أمن حق عليه كلمة العذاب فأنت تنقذه ، جملة شرطية دخل عليها همزة الإنكار والفاء فاء الجزاء ، ثم دخلت الفاء التي في أولها للعطف على محذوف يدل عليه الخطاب تقديره أأنت مالك أمرهم فمن حق عليه العذاب فأنت تنقذه ، والهمزة الثانية هي الأولى كررت لتوكيد معنى الإنكار والاستبعاد ووضع «مَنْ فِي النَّارِ» موضع الضمير فالآية على هذا جملة واحدة». الكشاف ٣ / ٣٩٣.
(٣) نقله عنه أبو حيان في البحر ٧ / ٤٢١.
(٤) قد تقدم هذا أيضا وانظر الكتاب ٣ / ٨٢ ، ٨٣.
(٥) في ب : يجمع.
(٦) الواو سقط من ب.
(٧) «لو» سقط من ب.
(٨) البحر المحيط ٧ / ٤٢١.
(٩) نقله السمين في تفسيره ٤ / ٦٤٥.
(١٠) قاله البغوي في معالم التنزيل ٦ / ٧١.
(١١) سقط من ب.