والثاني : أنه يعود على «معمّر» لفظا ومعنى (١). والمعنى أنه إذا مضى من عمره حول أحصي وكتب ثم حول آخر كذلك فهذا هو النقص. وإليه ذهب ابن عباس وابن جبير وأبو مالك (٢) ؛ ومنه قول الشاعر :
٤١٥٦ ـ حياتك أنفاس تعدّ فكلما |
|
مضى نفس منك انتقصت به جزءا (٣) |
وقرأ يعقوب وسلّام (٤) ـ وتروى عن أبي عمرو ـ ولا ينقص مبنيا (٥) للفاعل. وقرأ الحسن : من عمره بسكون (٦) الميم.
فصل
معنى (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) لا يطول عمره ولا ينقص من عمره أي من عمر آخر كما يقال : لفلان عندي درهم ونصفه أي ونصف درهم آخر (إِلَّا فِي كِتابٍ). وقيل : قوله ولا ينقص من عمره ينصرف إلى الأول. وقال سعيد بن جبير : مكتوب في أم الكتاب عمر فلان كذا وكذا سنة ثم يكتب أسفل (من) (٧) ذلك ذهب يوم ذهب يومان ذهب ثلاثة أيام حتى ينقطع عمره. وقال كعب الأحبار حين حضر الوفاة عمر : والله لو دعا عمر ربه أن يؤخر أجله لأخر فقيل له : إن الله عزوجل يقول: (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) فقال : هذا إذا حضر الأجل فأما قبل ذلك فيجوز أن يزاد و (أن) ينقص ، وقرأ هذه الآية (٨).
فصل
(وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ) إشارة إلى كمال قدرته فإن ما في الأرحام قبل التخليق بل بعده ما دام في البطن لا يعلم حاله أحد كيف والأم الحامل لا تعلم منه شيئا فلما ذكر بقوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) كمال قدرته بين بقوله : (ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ
__________________
(١) بالمعنى من البحر المحيط ٧ / ٣٠٤ ومعاني الفراء ٢ / ٣٦٨ وانظر الرأيين في زاد المسير ٦ / ٤٨٠ والقرطبي ١٤ / ٣٣٣.
(٢) المراجع السابقة.
(٣) من الطويل أيضا وقائله مجهول وأتى به كشاهد معنوي حيث إن كل وقت يمر على الإنسان محسوب من عمره الذي لا يزيد ولا ينقص عما هو في اللوح. وهذا يؤيد الرأي الثاني في «المعمّر» ، وانظر : البحر المحيط ٧ / ٣٠٤ ، والدر المصون ٤ / ٤٧٠.
(٤) سبق التعريف به.
(٥) رواها ابن خالويه عن الحسن وابن سيرين ويعقوب انظر المختصر ١٢٣ والإتحاف ٣٦١ وهي من المتواتر من الأربع فوق العشر المتواترة. وانظر القرطبي ١٤ / ٣٣٤.
(٦) نسبها القرطبي للأعرج والزهري المرجع السابق وفي السبعة والمختصر أنها مروية عن أبي عمرو انظر : السبعة ٥٣٤ والمختصر ١٢٣.
(٧) زيادة من «أ».
(٨) انظر : الفصل السابق في معالم التنزيل للبغوي ٥ / ٢٩٩.