الضمير في «يستويان» على «رجلين» ، وأما إذا جعلته عائدا إلى المثلين اللّذين ذكر أن التقدير : مثل رجل ومثل رجل ، فإن التمييز يكون إذ ذاك قد فهم من المميز الذي هو الضمير إذ يصير التقدير : هل يستوي المثلان مثلين (١) في الوصفية (٢) ، فالمثلان الأولان معهودان والثانيان جنسان مبهمان كما تقول : كفى بهما رجلين ، فإن الضمير في بهما عائد على ما يراد بالرّجلين فلا فرق بين المسألتين فما كان جوابا عن : «كفى بهما رجلين» يكون جوابا له.
فصل
تقدير الكلام : اضرب لقومك مثلا وقل ما تقولون (٣) في رجل مملوك لشركاء بينهم اختلاف وتنازع فيه وكل واحد يدعي أنه عبده فهم يتجاذبونه في حوائجهم وهو متحيّر في أمره وكلما أرضى أحدهم غضب الباقون ، وإذا احتاج إليهم فكل واحد منهم يرده إلى الآخر فيبقى متحيّرا لا يعرف أيّهم أولى أن يطلب رضاه؟ وأيهم يعينه في حاجاته؟ فهو بهذا السبب في عذاب دائم ، وآخر له مخدوم واحد يخدمه على سبيل الإخلاص وذلك المخدوم يعينه في مهماته فأي هذا (من) (٤) العبدين أحسن حالا؟ والمراد أن من أثبت (٥) آلهة أخرى فإن الآلهة تكون متنازعة متغالبة كما قال تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] وقال : (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) [المؤمنون : ٩١] فيبقى ذلك المشرك متحيرا ضالّا لا يدري أيّ هؤلاء الآلهة يعبد؟ وعلى ربوبية أيهم يعتمد؟ وممن يطلب رزقه؟ فهمه مشاع (٦) وقلبه أوزاع أما من لم يثبت إلا إلها واحدا فهو قائم بما كلفه عارف بما يرضيه ويسخطه فكان حال هذا أقرب إلى الصلاح من حال الأول ، وهذا المثال في غاية الحسن في تقبيح الشّرك (٧) وتحسين التّوحيد.
فإن قيل : هذا المثال لا ينطبق على عبادة (٨) الأصنام لأنها جمادات فليس بينها منازعة ولا تشاكس.
فالجواب : أن عبدة الأصنام مختلفون منهم من يقول : هذه الأصنام تماثيل
__________________
(١) البحر ٧ / ٤٢٥ مع اختلاف قليل في عباراته.
(٢) الواقع أن هذه الكلمات التي تبدأ «بفي الوصفية» من كلام السمين الذي بدأه بقوله قلت : وهذا لا يضر ، إذ التقدير : هل يستوي المثلان مثلين في الوصفية. الخ ... وانظر الدر المصون ٤ / ٦٥٠.
(٣) في ب والرازي : يقولون بالياء.
(٤) زيادة من أ. وفي الرازي : فأيّ هذين العبدين.
(٥) في ب : أثبته. وفي الرازي : من يثبت آلهة شتى.
(٦) كذا في النسختين وفي الرازي شفاع.
(٧) في ب : المشرك.
(٨) في ب : في عبادة.