فصل
المعنى أن الذين يقولون هذا القول جند هنالك و «ما» صلة مهزوم مغلوب من الأحزاب أي من جملة الأجناد ، يعني قريشا ، قال قتادة : أخبر الله تعالى نبيه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو بمكة أنه سيزم جند المشركين فقال : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [القمر : ٤٥] فجاء تأويلها يوم بدر ، وهنالك إشارة إلى (يوم) (١) بدر ومصارعهم ، وقيل : يوم الخندق (٢). وقال ابن الخطيب : والأصح عندي حمله على يوم فتح مكة لأن المعنى أنهم جند سيصيرون منهزمين (٣) في الموضع الذي ذكروا فيه هذه الكلمات وذلك الموضع هو مكة فوجب أن يكون المراد أنهم سيصيرون منهزمين في مكة وما ذاك إلا يوم الفتح.
وقوله : (مِنَ الْأَحْزابِ) أي من جملة الأحزاب أي هم من القرون الماضية (٤) الذين تحزّبوا وتجمعوا على الأنبياء بالتكذيب فقهروا وأهلكوا.
قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (١٤) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦) اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ)(١٧)
ثم قال لنبيه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ معزيا له : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ) قال ابن عباس ومحمد بن كعب : ذو البناء المحكم ، وقيل : أراد ذو الملك الشديد الثابت (٥) ، وقال القتيبيّ (٦) : تقول العرب : هم في عزّ ثابت الأوتاد بريدون أنه دائم شديد ، وقال الضحاك : ذو القوة والبطش ، وقال عطية : ذو الجنود والجموع الكثيرة ، وسميت الأجناد أوتادا لكثرة المضارب التي كانوا يضربونها ويوتدونها (٧) في أسفارهم. وهي رواية عطية العوفي عن ابن عباس يعني أنهم كانوا يقوون أمره ويشدون ملكه كما يقوي الوتد (٨) الشيء. وهذه استعارة بليغة حيث شبه الملك ببيت الشّعر ، وبيت الشعر لا يثبت إلا بالأوتاد والأطناب (٩) كما قال الأفوه الأودي :
٤٢٥٣ ـ والبيت لا يبتنى إلّا على عمد |
|
ولا عماد إذا لم ترس أوتاد (١٠) |
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) وانظر : معالم التنزيل للبغوي ٦ / ٤٢.
(٣) في ب : مهزومين وما هنا موافق للرازي.
(٤) في ب : العضاضية لحن وتحريف وانظر الرازي ٢٦ / ١٨١.
(٥) البغوي ٦ / ٤٢.
(٦) الغريب ٣٧٧.
(٧) كذا هي في البغوي وفي أهنا وما في ب يوقدونها.
(٨) معالم التنزيل للبغوي ٦ / ٤٢.
(٩) قال في اللسان : «الطّنب والطّنب حبل الخباء والأطناب ما يشد به البيت من الحبال بين الأرض والطرائق». اللسان (طنب) ٢٧٠٨ وانظر : الدر المصون ٤ / ٥٩٤.
(١٠) له من بحر البسيط وأتى به شاهدا على أن المعنوي شبه بالحسي عن طريق الاستعارة وعلى أن الجامع ـ