قوله : (سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) مصدر مضاف لمفعوله و (لِسُنَّتِ اللهِ) مصدر مضاف لفاعله لأنه سنّها بهم فصحت إضافتها إلى الفاعل والمفعول. وهذا جواب (عن) (١) سؤال وهو أن الإهلاك ليس سنة الأولين إنما هو سنة الله في الأولين والجواب عن هذا السؤال من وجهين :
أحدهما : أن المصدر الذي هو المفعول المطلق يضاف إلى الفاعل والمفعول لتعلقه بهما من وجه دون وجه فيقال فيما إذا ضرب زيد عمرا : عجبت من ضرب عمرو وكيف ضرب مع ما له من القوم (٢) والقوة؟ وعجبت من ضرب عمرو وكيف ضرب مع ماله من العلم والحلم (٣)؟ فكذلك سنة الله بهم أضافها إليهم لأنها (سنة) (٤) سنت بهم وإضافتها إلى (٥) نفسه بعدها بقوله : (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ) لأنها سنة من الله ، فعلى هذا نقول : أضافها في الأول إليهم حيث قال : سنة الأولين ، لأن سنة الله الإهلاك بالإشراك والإكرام على الإسلام فلا يعلم أنهم ينتظرون أيتهما فإذا قال : سنة الأولين تميزت وفي الثاني أضافها (٦) إلى الله لأنها لما علمت فالإضافة إلى الله تعظيما وتبين أنها أمر واقع ليس لها من دافع.
وثانيهما : أن المراد من سنة الأولين استمرارهم على الإنكار واستكبارهم عن الإقرار وسنة الله استئصالهم بإصرارهم فكأنه قال : أنتم تريدون الإتيان بسنة الأولين والله يأتي بسنة لا تبديل لها ولا تحويل عن مستحقّها.
فإن قيل : ما الحكمة في تكرار التبديل والتحويل؟
فالجواب : أن المراد بقوله : (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً) حصول العلم بأن العذاب لا يبدل بغيره وبقوله : (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) حصول العلم بأن العذاب مع أنه لا يتبدل بالثواب لا يتحول عن مستحقه إلى غيره فيتم تهديد المسيء.
فصل
المعنى فهل ينتظرون إلا أن ينزل بهم العذاب كما نزل بمن مضى (٧) من الكفار والمخاطب بقوله : (فَلَنْ تَجِدَ) عام كأنه قال : لن تجد أيها السامع وقيل : الخطاب مع محمد ـ عليه (الصلاة (٨) و) السلام ـ.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
__________________
(١) كذلك.
(٢) في «ب» العزم وهو موافق للرازي.
(٣) في «ب» الحكم.
(٤) سقط من «ب».
(٥) وانظر في هذا كله الرازي ٢٦ / ٣٤ و ٣٥.
(٦) في «ب» إضافتها.
(٧) بمن مضى كذا هنا هو الأصح في «أ». وفي «ب» عن معنى تحريف.
(٨) زيادة من «ب» وانظر هذا كله في الرازي ٢٦ / ٣٥ و ٣٦.