والثاني : أنها مصدرية أي خلقكم وأعمالكم (١) ، وجعلها الأشعريّة دليلا على خلق أفعال العباد لله تعالى وهو الحق ، إلا أن دليل ذلك من هنا غير قوي لما تقدم من ظهور كونها بمعنى الذي (٢) ، وقال مكي : يجب أن تكون ما والفعل مصدرا جيء به ليفيد أن الله خالق الأشياء كلها. وقال أيضا : وهذا أليق لقوله : (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) [الفلق : ٢] أجمع القراء على الإضافة فدل على أنه خالق الشر. وقد فارق عمرو بن عبيد (٣) الناس فقرأ من شرّ بالتنوين (٤) ليثبت مع الله خالقين (٥) ، وشنع الزمخشري على القائل هنا بكونها مصدرية.
والثالث : أنها استفهامية (٦) ، وهو استفهام توبيخ ، أي : (و) أيّ شيء تعملون؟
الرابع : أنها نافية (٧) ، أي أن العمل في الحقيقة ليس لكم فأنتم (لا) (٨) تعملون شيئا ، والجملة من قوله : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ) حال. ومعناها حسن أي أتعبدون الأصنام على حالة تنافي ذلك وهي أن الله خالقكم وخالقهم جميعها ، ويجوز (٩) أن تكون مستأنفة.
فصل
دلت الآية على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى لأن النحويين اتفقوا على أن لفظ (ما) مع ما بعده في تقدير المصدر فقوله (١٠) : (وَما تَعْمَلُونَ) معناه وعملكم ، وعلى هذا فيصير معنى الآية : والله خلقكم وخلق عملكم.
فإن قيل : هذه الآية حجة عليكم من وجوه :
الأول : أنه تعالى قال : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) أضاف العبادة والنحت إليهم إضافة
__________________
(١) مشكل الإعراب ٢ / ٢٣٩. وهو اختياره ورجحه على غيره. وانظر أيضا البيان ٢ / ٣٠٦ والإعراب ٣ / ٤٣٠ والتبيان ١٠٩١ والسمين ٤ / ٥٦٢.
(٢) السابق وانظر : مشكل الإعراب ٢ / ٢٣٩.
(٣) هو عمرو بن عبيد بن باب أبو عثمان البصري وردت عنها الرواية في حروف القرآن روى عن الحسن وسمع منه وعنه بشار بن أيوب مات سنة ١٤٤ ه انظر : غاية النهاية ٢ / ٦٠٢.
(٤) نقلها أبو حيان في بحره عن ابن عطية البحر ٨ / ٥٣٠ وكذلك صاحب مشكل الإعراب ٢ / ٢٣٩ ونسبها ابن خالويه إلى عمرو بن فائد ص ١٨٢.
(٥) انظر : مشكل الإعراب لمكي المرجع السابق.
(٦) المرجع السابق وانظر : التبيان ١٠٩١ والبيان ٢ / ٣٠٦ والإعراب ٣ / ٤٣٠ ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٤٠ والبحر المحيط ٧ / ٣٦٧ والدر المصون ٤ / ٥٦٢.
(٧) المرجعان الأخيران.
(٨) ما بين القوسين سقط من ب.
(٩) قاله السمين أيضا في الدر ٤ / ٥٦٢ فإن كانت حالا فهي في محل نصب ، وإن كانت مستأنفة فلا محلّ لها من الإعراب كما هو العهد والعرف.
(١٠) تصحيح من السياق والرازي ففي النسختين (بقوله).