فصل
معنى «سابغات» أي كوامل واسعات طوالا تسحب في الأرض. وذكر الصفة ويعلم منها الموصوف (١).
قوله : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) والسرد : نسيج الدّروع يقال لصانعه : السّرّاد» الزّرّاد. والمعنى قدر المسامير في حلق الدروع أي لا تجعل المسامير غلاظا فتكسر (٢) الحلق ولا دقاقا فتغلغل فيها. ويقال السرد المسمار في الحلقة ، يقال : درع مسرودة أي مسمورة الحلق. وقدر في السّرد أي اجعله على القصد وقدر الحاجة ، ويحتمل أن يقال السّرد هو عمل الزرد (٣).
وقوله : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) أي إنك غير مأمور به أمر إيجاب إنما هو اكتساب والكسب (إنما) (٤) يكون بقدر الحاجة وباقي الأيام والليالي للعبادة فقدر في ذلك العمل ولا تشغل جميع أوقاتك بالكسب بل حصل به القوت فحسب. ويدل عليه قوله تعالى : (وَاعْمَلُوا صالِحاً) أي لستم مخلوقين إلا للعمل الصالح فاعملوا ذلك وأكثروا منه والكسب فقدروا فيه ثم أكد طلب الفعل الصالح بقوله : (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) يريد بهذا داود وآله ، ثم لما ذكر المنيب الواحد ذكر منيبا آخر وهو سليمان كقوله تعالى : (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ) [ص : ٣٤] ذكر ما استفاد من الإنابة وهو قوله تعالى : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) العامة على النصب بإضمار فعل ، أي سخّرنا لسليمان ، وأبو بكر بالرفع على الابتداء (٥) ، والخبر في الجار قبله أو محذوف (٦) ، وجوز أبو البقاء أن يكون فاعلا يعني (٧) بالجار ، وليس بقويّ (٨) لعدم اعتماده (٩) وكان قد وافقه في الأنبياء (١٠) غيره (١١) ،
__________________
(١) قاله ابن الجوزي في زاد المسير ٦ / ٤٣٦.
(٢) في «ب» فتنكسر.
(٣) غريب القرآن ٣٥٤ والبحر ٧ / ٢٥٥ ، واللسان زرد وزرط ومجاز القرآن ٢ / ١٤٣ ، ومعاني الزجاج ٤ / ٢٤٤.
(٤) زيادة من «ب».
(٥) ذكره في الكشف ٢ / ٢٠٧ والنشر ٢ / ٣٣٥ والإتحاف ٣٥٨ والسبعة ٥٢٧.
(٦) ذكره ابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٧٦ وأبو البقاء في التبيان ١٠٦٤ والزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٢٤٥ والفراء في معاني القرآن ٢ / ٣٥٦ ذكر الرفع قراءة ولم يحدد.
(٧) المرجع السابق وقد جعله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه فاعلا لفعل محذوف ٤ / ٢٤٥ قال : «والرفع على معنى ثبت له الريح».
(٨) الدر المصون ٤ / ٤١٨.
(٩) أي على نفي أو استفهام ، كقولنا : أقائم الزّيدان ، أو ما قائم الزّيدان ، أو يريد بعدم اعتماده يعني عدم معرفة اللغة والقياس به.
(١٠) يقصد قوله : «وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ» وهي الآية ٨١ من الأنبياء.
(١١) لعله ابن هرمز في رواية عنه البحر المحيط ٦ / ٣٣٢.