وقيل : ثم مضاف محذوف أي بدواعي مفازتهم أو بأسبابها. والمفازة المنجاة ، وقيل : لا حاجة إلى ذلك ، إذ المراد بالمفازة الفلاح (١). قال البغوي : لأن المفازة بمعنى الفوز أي ينجّيهم بفوزهم من النار بأعمالهم الحسنة (٢). وقال المبرد : المفازة مفعلة من الفوز والجمع حسن كالسّعادة والسّعادات (٣).
قوله : (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ) يجوز أن تكون هذه الجملة مفسرة لمفازتهم كأنه قيل : وما مفازتهم؟ فقيل : (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ) فلا محل لها ، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من (الَّذِينَ اتَّقَوْا)(٤).
ومعنى الكلام لا يصيبهم مكروه ولا هم يحزنون.
قوله تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٣) قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا
الْجاهِلُونَ (٦٤) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٥) بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)(٦٦)
قوله تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ...) الآية تقدم الكلام على هذه الآية في الأنعام وأنها تدل على أن أعمال العباد مخلوقة لله تعالى ، وقال الكعبي هنا : إن الله تعالى مدح نفسه بقوله : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) وليس من المدح أن يخلق الكفر والقبائح فلا يصح احتجاج المخالف به ، وأيضا فلفظة «كل» قد لا توجب العموم لقوله تعالى : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) [النمل : ٢٣] يريد كل شيء يحتاج الملك إليه وأيضا لو كانت أعمال العباد من خلق الله لما أضافها إليهم بقوله : (كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) [البقرة : ١٠٩] ولما صح قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) [آل عمران : ٧٨]. وقال الجبائي الله (٥) خالق كل شيء سوى أفعال خلقه التي صح فيها الأمر والنهي ، واستحقوا بها الثواب والعقاب ولو كانت أفعالهم خلقا لله لما جاز ذلك فيها كما لا يجوز في ألوانهم وصورهم ، وقال أبو مسلم : الخلق هو التقدير لا الإيجاد ، فإذا أخبر الله أنهم يفعلون الفعل الفلاني فقد قدر ذلك الفعل فصح أن يقال : إنه تعالى خلقه وإن لم يكن موجدا له ، والجواب عن هذه الوجوه تقدم في سورة الأنعام ، وأما قوله (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أي الأشياء كلها موكولة إليه فهو القائم بحفظها وتدبيرها من غير مشارك ، وهذا أيضا يدل على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى لأن فعل
__________________
(١) الدر المصون ٤ / ٦٦١.
(٢) معالم التنزيل ٦ / ٨٣.
(٣) نقله عنه البغوي في المرجع السابق ولم أهتد إليه في الكامل له.
(٤) ذكرهما الزمخشري في كشافه ٣ / ٤٠٦ والتبيان ١١٢. الأول الزمخشري والثاني أبو البقاء.
(٥) في ب أنه بدل من الله.