ما في القرآن من الآيات لقوله : (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) [ص : ١] فما جعل القرآن نفس الذكر. والمعنى إنما تنذر العلماء الّذين يخشون ربهم. وقوله : (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ) أي عمل صالحا لقوله : (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) وهذا جزاء العمل كقوله : (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الحج : ٥٠] والمراد بالغيب : ما غاب وهو أحوال يوم القيامة. وقيل الوحدانية(١).
وقوله : «فبشّره» إشارة إلى الرسالة ، فإنّ النّبيّ بشير ونذير.
وقوله : «بمغفرة» على التنكير أي بمغفرة واسعة تسير من جميع الجوانب (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) أي ذي كرم كقوله : (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) والمراد به الجنة.
قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) عند البعث. لما بين الرسالة وهو أصل من الأصول الثلاثة التي يصير بهم المكلف مؤمنا مسلما ذكر أصلا آخر وهو الحشر. ووجه آخر وهو أن الله تعالى لما ذكر الإنذار والبشارة بقوله : (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ) ولم يظهر ذلك بكماله في الدنيا فقال : إن لم ير في الدنيا فالله يحيي الموتى ويجزى المنذرون والمبشرون ووجه آخر وهو أنه تعالى لما ذكر خشية الرحمن بالغيب ذكر ما يؤكده وهو إحياء الموتى (٢).
فصل
(إِنَّا نَحْنُ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون مبتدأ وخبرا كقوله :
٤١٧١ ـ أنا أبو النّجم وشعري شعري (٣)
ومثل هذا يقال عند الشّهرة العظيمة ، وذلك لأنّ من لا يعرف يقال (٤) (له) (٥) : من أنت؟ فيقول : أنا ابن فلان فيعرف ، ومن يكون مشهورا إذا قيل له : من أنت ، يقول (٦) :
__________________
(١) انظر : الرازي ٢٦ / ٤٧ وزاد المسير ٧ / ٨.
(٢) الرازي المرجع السابق.
(٣) من الرجز لأبي النجم.
والاستشهاد بالبيت على أن «أنا أبو النّجم» مبتدأ مؤخر ك (إِنَّا نَحْنُ) من الآية الكريمة. والبيت في الخصائص ٣ / ٣٣٧ والمنصف ١ / ١٠ وأمالي الشجري ١ / ٢٤٤ وشرح ابن يعيش ١ / ٩٨ و ٩ / ٨٣ والمغني ٣٢٩ و ٤٣٧ و ٦٥٧ والهمع ١ / ٦٠ و ٢ / ٩٥ والدّرر اللوامع ١ / ٣٥ و ٢ / ٧٦ والأشموني ١ / ١٥٥ والرازي ٢٦ / ٤٨.
ومن الإمكان ـ وهو الأرجح ـ أن يكون التنظير بالبيت في : «وشعري شعري» ومعنى : وشعري شعري المعروف الموصوف كما بلغت وعرفت فكذلك : (إِنَّا نَحْنُ) أي معروفون بأوصاف الكمال فالمبتدأ والخبر معرفتان.
(٤) في «ب» فيقال.
(٥) سقط من (ب).
(٦) في «ب» فيقول.