١٣] إلى غير ذلك. ثم قالوا : (وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ) وهذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون متمّما لما ذكرو (ه) (١) فيكون الكل شبهة واحدة ، والمعنى وما أنزل الله إليكم أحدا فكيف صرتم رسلا؟!
والثاني : أن يكون هذا شبهة أخرى مستقلة وهي أنهم لما قالوا : أنتم بشر مثلنا ، فلا يجوز رجحانكم علينا. ذكروا الشبهة من جهة النظر إلى المرسلين ثم قالوا شبهة أخرى من جهة المرسل (٢) وهو أنه تعالى ليس بمنزل شيئا في هذا العالم ، فإن تصرفه في العالم العلوي فالله لم ينزل شيئا من الأشياء في الدنيا فكيف أنزل إليكم؟!.
وقوله تعالى : (الرَّحْمنُ) إشارة إلى الرد عليهم ، لأن الله تعالى لما كان رحمن الدّنيا ، والإرسال رحمة فكيف لا ينزل رحمته وهو رحمن؟! ثم قال : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) أي ما أنتم إلا كاذبون فيما تزعمون (٣). (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) قال وهب : اسمهما يحيى (٤) وبولس (فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا) برسول «ثالث» وهو شمعون. وقال كعب : الرسولان صادق وصدوق والثالث سلوم. وإنما أضاف الله الإرسال إليه ، لأن عيسى ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ إنما بعثهم بأمره ـ عزوجل ـ.
قوله : (قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) وهذا إشارة إلى أنهم بمجرد التكذيب لم يسأموا ولم يتركوا بل أعادوا ذلك لهم ، وكرروا القول عليهم وأكدوه باليمين. (قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) وأكدوه باللام لأن علم الله يجري مجرى القسم ، كقوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) أي هو عالم بالأمور (وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ، وذلك تسلية لأنفسهم أي نحن خرجنا عن عهدة ما علينا وهو البلاغ (٥). وقوله «المبين» أي المبين الحق عن الباطل وهو الفارق بالمعجزة والبرهان (٦) ؛ إذ البلاغ المظهر لما أرسلنا إلى الكل أي لا يكفي أن يبلغ الرسالة إلى شخص أو شخصين. أو المظهر للحق بكل ما يمكن فإذا لم يقبلوا الحق فهنالك الهلاك فما كان جوابهم بعد ذلك إلا قولهم : (إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ) أي تشاء منا بكم وذلك أن المطر حبس عنهم فقالوا أصابنا هذا بشؤمكم (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ) لنقتلنّكم (٧). قاله قتادة.
وقيل : لنشتمنّكم (٨). (وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) فإن فسرنا الرجم بالحجارة فيكون
__________________
(١) الهاء زيادة من «أ».
(٢) في «ب» الرسل.
(٣) في «ب» تزعمونه. وانظر : تفسير العلامة الرازي ٢٦ / ٥٢.
(٤) رواه النقاش فيما نقله عنه القرطبي في الجامع ١٥ / ١٤ وانظر أيضا زاد المسير ٧ / ١٠.
(٥) في «ب» الإبلاغ وكلاهما صحيحان.
(٦) في «ب» والبلاغ.
(٧) قاله الزجاج والفراء في معانيهما. الأول في ٤ / ٨٢ والثاني في ٢ / ٣٧٤.
(٨) هذا قول الرازي في تفسيره ٢٦ / ٥٣.