قال : فما ورد على يعقوب شيء أشدّ عليه من ذلك الكتاب ، فقال للرّسول : قف مكانك حتّى أجيبه. فكتب إليه يعقوب :
أما بعد ، فقد فهمت كتابك بأنّك أخذت ابني بثمن بخس واتّخذته عبدا ، وأنّك اتخذت ابني ، ابن يامين وقد سرق واتّخذته عبدا ، فإنّا أهل بيت لا نسرق ولكنّا (١) أهل بيت نبتلى ، وقد ابتلي أبونا بالنّار فوقاه الله ، وابتلي أبونا إسحاق بالذّبح فوقاه الله ، وإنّي قد ابتليت بذهاب بصري وذهاب ابني ، وعسى الله أن يأتيني بهم جميعا.
قال : فلمّا ولّى الرّسول عنه رفع يده إلى السّماء ، ثمّ قال : يا حسن الصّحبة ، يا كريم المعونة ، يا خير كلمة (٢) ، ائتني بروح [منك] (٣) وفرج من عندك.
قال : فهبط عليه جبرئيل ، فقال : يا يعقوب ، ألّا أعلّمك دعوات يردّ الله عليك بها بصرك ويردّ عليك ابنيك؟
فقال له : بلى.
فقال : قل : يا من لا يعلم أحد كيف هو وحيث هو وقدرته إلّا هو ، يا من سدّ الهواء بالسّماء وكبس الأرض على الماء واختار لنفسه أحسن الأسماء ، ائتني بروح منك وفرج من عندك. فما انفجر عمود الصّبح حتّى اتي بالقميص وطرح على وجهه ، فردّ الله عليه بصره ، وردّ عليه ولده.
عن أبي بصير (٤) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا) الّذي بلّته دموع عيني (فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي) يرتدّ (بَصِيراً) لو قد شمّ ريحي (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) ، وردّهم إلى يعقوب في ذلك اليوم وجهّزهم بجميع ما يحتاجون إليه فلما فصلت عيرهم عن مصر وجد يعقوب ريح يوسف ، فقال لمن بحضرته من ولده : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ).
قال : وأقبل ولده يحثّون السّير بالقميص فرحا وسرورا بما رأوا من حال يوسف ، والملك الّذي أعطاه الله ، والعزّ الّذي صاروا إليه في سلطان يوسف. وكان مسيرهم من مصر إلى بدو يعقوب تسعة أيّام ، (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) ألقى القميص (عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ
__________________
(٧) من المصدر.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : فأخذته.
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : ولكن.
(٢) المصدر : يا خيرا كله.
(٣) من المصدر.
(٤) تفسير العياشي ٢ / ١٩٦ ، ح ٧٩.