ـ عزّ وجلّ ـ إليه من الاستعداد للبلاء ، إنّما (١) هو في يوسف خاصّة ، فاشتدّت رقّته عليه من بين ولده.
فلمّا رأى إخوة يوسف ما يصنع يعقوب بيوسف ، وتكرمته (٢) إيّاه ، وإيثاره إيّاه عليهم ، اشتدّ ذلك عليهم ، وبدأ البلاء فيهم. فتآمروا (٣) فيما بينهم وقالوا : إنّ يوسف وأخاه (أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) ، أي : تتوبون. فعند ذلك قالوا : (يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) (الآية). فقال يعقوب : (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ).
فانتزعه حذرا عليه من أن تكون البلوى من الله على يعقوب في يوسف خاصّة ، لموقعه من قلبه وحبّه له.
قال : فغلبت قدرة الله وقضاؤه ونافذ أمره في يعقوب ويوسف وإخوته ، فلم يقدر يعقوب على دفع البلاء عن نفسه ، ولا عن يوسف وولده. فدفعه إليهم ، وهو لذلك كاره (٤) متوقّع للبلوى من الله في يوسف.
فلمّا خرجوا من منزلهم ، لحقهم أبوهم (٥) مسرعا. فانتزعه من أيديهم ، فضمّه إليه ، واعتنقه وبكى ، ودفعه إليهم. فانطلقوا به مسرعين ، مخافة أن يأخذه منهم ، ولا يدفعه إليهم.
فلمّا مضوا (٦) به ، أتوا به غيضة أشجار فقالوا : نذبحه ونلقيه تحت هذه الشّجرة ، فيأكله الذّئب اللّيلة. فقال كبيرهم يهوذا (٧) : لا تقتلوا يوسف ولكن (أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ).
فانطلقوا به إلى الجبّ. وألقوه فيه ، وهم يظّنون أنّه يغرق فيه. فلمّا صار في قعر الجبّ ، ناداهم : يا ولد رومين ، اقرؤوا يعقوب منّي السّلام. فلمّا سمعوا كلامه ، قال بعضهم لبعض : لا تزالوا من ها هنا ، حتّى تعلموا أنّه قد مات. فلم يزالوا بحضرته ، حتّى
__________________
(١) ليس في المصدر.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : من مكرمته.
(٣) أي : فتشاوروا.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : كان.
(٥) ليس في المصدر.
(٦) المصدر : امنعوا.
(٧) ليس في المصدر.