لأمير المؤمنين فهذا نوح ـ عليه السّلام ـ صبر في ذات الله ـ عزّ وجلّ ـ وأعذر قومه إذ كذّب.
قال له عليّ ـ عليه السّلام ـ : لقد كان كذلك ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ صبر في ذات الله ، فأعذر (١) قومه إذ كذّب وشرّد وحصب بالحصا ، وعلاه أبو لهب بسلا (٢) ناقة [وشاة] (٣). فأوحى الله ـ تبارك وتعالى ـ إلى جابيل ملك الجبال : أن شقّ الجبال وانته إلى أمر محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
فأتاه فقال له : إنّي أمرت لك بالطّاعة ، فإن أمرت أن أطبقت عليهم الجبال فأهلكتهم بها.
قال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّما بعثت رحمة ، ربّ اهد (٤) أمّتي فإنّهم لا يعلمون.
ويحك يا يهوديّ ، إنّ نوحا لمّا شاهد غرق قومه رقّ عليهم رقّة القرابة (٥) وأظهر عليهم شفقة ، فقال (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي).
فقال الله ـ تبارك وتعالى اسمه ـ : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ).
أراد ـ جلّ ذكره ـ أن يسلّيه بذلك. ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا غلبت عليه (٦) من قومه المعاندة ، شهر عليهم سيف النّقمة ولم تدركه فيهم رقّة القرابة ولم ينظر إليهم بعين رحمة (٧).
والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وعن أمير المؤمنين (٨) ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ مجيبا لبعض الزّنادقة ـ وقد قال : وأجده قد شهر هفوات أنبيائه بتكذيبه نوحا لمّا قال : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) بقوله : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) ـ : وأمّا هفوات الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ وما بيّنه الله في كتابه [ووقوع الكناية من أسماء من اجترم أعظم مما اجترمه الأنبياء ، ممن شهد الكتاب بظلمهم] (٩) ، فإنّ ذلك من أدلّ الدّلائل على حكمة الله الباهرة وقدرته القاهرة (١٠)
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : إذ أعذر.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : سبل. والسّلى : غشاء رقيق يحيط بالجنين ، ويخرج معه من بطن أمّه.
(٣) من المصدر.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : «ربّي على» بدل «ربّ اهد».
(٥) المصدر : القربة.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : «علنت» بدل «غلبت عليه».
(٧) كذا في المصدر وفي ب : مقامه. وفي سائر النسخ : مقه.
(٨) الاحتجاج ١ / ٣٦٥ و ٣٧٠.
(٩) من المصدر.