الاستثناء متّصلا. لأنّ المراد من القرى : أهاليها ، كأنّه قال : ما آمن أهل قرية من القرى العاصية فنفعهم إيمانهم ، إلّا قوم يونس. ويؤيّده قراءة الرّفع ، على البدل.
(وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) (٩٨) : إلى آجالهم.
وفي الجوامع (١) : وكان قد بعث إلى نينوى من أرض الموصل فكذّبوه ، فذهب عنهم مغاضبا : فلمّا فقدره ، خافوا نزول العذاب. فلبسوا المسوح وعجّوا وبكوا ، فصرف الله عنهم العذاب وكان قد نزل وقرب منهم.
وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن الباقر ـ عليه السّلام ـ قال : كتب أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : حدّثني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّ جبرئيل حدّثه ، أنّ يونس بن متّي ـ عليه السّلام ـ بعثه الله إلى قومه ، وهو ابن ثلاثين سنة. وكان رجلا تعتريه الحدّة (٣). وكان قليل الصّبر على قومه والمداراة لهم ، عاجزا عمّا حمل من ثقل حمل أوقار النّبوّة وأعلامها. وأنه تفسّخ تحتها ، كا يتفسّخ الجذع تحت حمله. وأنّه أقام فيهم يدعوهم إلى الإيمان بالله والتّصديق به واتّباعه ثلاثا وثلاثين سنة ، فلم يؤمن به ولم يتّبعه من قومه إلّا رجلان ، اسم أحدهما روبيل ، واسم الآخر تنوخا.
وكان روبيل من أهل بيت العلم والنّبوّة والحكمة ، وكان قديم الصّحبة ليونس بن متّي من قبل أن يبعثه الله بالنّبوّة. وكان تنوخا رجلا مستضعفا عابدا زاهدا منهمّكا في العبادة ، وليس له علم ولا حكم. وكان روبيل صاحب غنم يرعاها ويتقوّت منها. وكان تنوخا رجلا حطّابا يحتطب على رأسه ويأكل من كسبه. وكان لروبيل منزلة من يونس غير منزلة تنوخا ، لعلم روبيل وحكمته وقديم صحبته.
فلمّا رأى يونس أنّ قومه لا يجيبونه ولا يؤمنون ، ضجر وعرف من نفسه قلّة الصّبر فشكى ذلك إلى ربّه. وكان فيما شكا أن قال : يا ربّ ، إنّك بعثتني إلى قومي ولي ثلاثون سنة. فلبثت فيهم أدعوهم إلى الإيمان بك والتّصديق برسالتي وأخوّفهم عذابك ونقمتك ثلاثا وثلاثين سنة ، فكذّبوني ولم يؤمنوا بي وجحدوا نبوّتي واستخفّوا برسالتي. وقد توعّدوني (٤) ، وخفت أن يقتلوني. فانزل عليهم عذابك ، فإنّهم قوم لا يؤمنون.
قال : فأوحى الله إلى يونس : أنّ فيهم الحمل والجنين والطّفل والشّيخ الكبير
__________________
(١) الجوامع / ١٩٩.
(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٢٩ ، ح ٤٤.
(٣) أي : يصيبه البأس والغضب.
(٤) الصدر : تواعدوني.