رسوله صلّى الله عليه وسلّم أوضح ، وعويص من الحكم أبان عنه وأفصح ، وفاسد من كلام الناس رقح وأصلح. وفضله أكثر من أن يعبر عنه لسان ، أو يحيط به تبيان.
وقد أكثر المؤلفون في شرحه وتفسيره ، وأطالوا في كشف إعرابه عن الشيء وتعبيره ، فأردت أن أجمع فائدة ما فرقوا ، وأقصر ما طولوا ، وأقلل ما كثروا فيه واختلفوا. وأنبه على ما أغفلوا ، وأستدرك ما أهملوا من شرح بيت ، أو تفسير غريب.
فلم أر أحدا ممن تعاطى شرح هذا الكتاب ، شرح الأبيات الواقعة فيه شرحا يفيد أكثر من فائدة الكتاب فيها. وإنما غايته أن يذكر بعض غريب البيت ، أو يدل على موضع الشاهد فيه باديا كان أو خفيّا. وسياق كلام سيبويه قد دل على ذلك وبين وجهه.
وقد بينت من معانيها في ذاتها ، وشرح غريبها وغامض إعرابها ، ما أرجوا أن يكون كافيا إن شاء الله.
وبعد.
فهذا الكتاب جواب لمن قرأ كتاب سيبويه وفهم بعض كلامه ، وتفطن لشيء من مقاصده وأغراضه ، ثم طالب نفسه بمعرفة عيونه ، والإشراف على غوامض فنونه ، فينبغي للطالب أن يطالع الباب من كتاب سيبويه ، ويحصر المواضع المشكلة منه ، ويمثل في ذهنه الألفاظ العازبة عنه ، ثم ينظر في هذا الباب من هذا التأليف ، فإنه (خالص إلى لباب) السؤال ، مشتمل على عامة الجواب إن شاء الله.
ولعل عائبا يغيظه الجواب فأكثر الناس ، لا سيما في أهل بلدنا ، وخاصة أهل زماننا يعيبني لتأخر زماني وخمول مكاني ـ فقد قضى الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقوله : «رب مبلغ أوعى من سامع».
إن المتأخر قد يكون أفقه من المتقدم ، والتالي يوجد أفهم من الماضي ، والحكمة مقسومة على العباد ، لم تؤثر بها الأزمنة ، ولا خصت بها الأمكنة ، بل هي باقية إلى يوم القيامة يؤتيها الله من يشاء من عباده.
والعلم ضالّة لا يوجدها إلّا جد الطالب ، وظهر لا يركبه إلا استظهار الراغب ، وعقبة لا يصعدها إلا الصابر الدائب ، ودرجة لا يرتقيها إلا الباحث المواظب.
وإنما يتفاضل الناس بالاجتهاد والدءوب وحسن الارتياد. ومن أدمن قرع الباب فيوشك أن يدخل ، ومن واصل السير فأحر به أن يصل.
ولما هذبت هذا الكتاب على ما رغبته ، وصح لي منه ما طلبته. وكمل بعون الله على ما أحببته ، نقدت ملوك عصرنا. وأرباب الدول في دهرنا ، لأطرزه باسم أرجحهم وزنا ، وأفهمهم معنى ، وأكثرهم يمنا وأوسعهم فضلا ومنّا وأعظمهم فخرا وأكبرهم خطرا وقدر وأسيرهم ذكرا وأشرفهم نسبا ، وأزكاهم حسبا ، وأعزهم نفسا وأبا ، وأفضلهم طريقة ومذهبا