قال الزجاج : كأنه وقف على منون وسكت عندها ثم ابتدأ.
وللشاعر أن يجري الكلام في الوصل مجراه في الوقف.
وهذا الشعر ينسب إلى سمير بن الحارث ، وبعضهم يرويه : عموا صباحا وهو غلط لأن هذا البيت من قصيدة قافيتها الميم ، وهي مشهورة.
هذا باب ما لا يحسن فيه" من" كما حسن في ما قبله
قد تقدم أن المسألة عن المعرفة لا تكون باسم واحد ، كما كانت عن النكرة في قولك : أيا ومنا ، وذكرت الفصل بين المعرفة ، والنكرة.
وحكى سيبويه أنه سمع من العرب من يقال له : ذهب معهم ، فيقول : مع منين؟ وإنما جاز هذا لأن المتكلم بنى أمر المخاطب على أنه عارف بالاسم المكني عنه ، ولم يكن عارفا به ، فأورد مسألته على غير ما ذكره المتكلم ، فكأن السائل سأل على ما كان ينبغي للمتكلم أن يقول فيه : (ذهب مع رجال) ، فلما غلط المتكلم في توهمه ، وعلم المخاطب أنه يعرفه رده المخاطب إلى الحق في حال تيقنه أنه غير عالم بمن ذكره ، وسأل عن ذلك ، وجعل المتكلم كأنه قد تكلم به ، وقد يأتي الجواب على غير لفظ السؤال ، وقد تقدم ذكره.
باب اختلاف العرب في الاسم العلم
إذا استفهمت عنه" بمن"
اعلم أن أهل الحجاز يحكون كلام المتكلم في الاسم العلم رفعا كان أو نصبا أو خفضا لئلا يتوهم المسئول أنه سئل عن غير الذي ذكره ، وموضع المنصوب والمخفوض في : من زيدا؟ أو من زيد؟ رفع على خبر من ، كما أن قولهم : (دعنا من تمرتان) في موضع خفض.
وإنما يختار أهل الحجاز الحكاية في الأسماء الأعلام دون غيرها ، لأن أكثر ما يخبر عن الناس بها في جميع صفاتهم وأحوالهم.
والاسم العلم إذا ذكر ، فكأنه مشتمل على تعريف جميع ما فيه من صفاته المعروفة ، وإنما ينعت إذا زاحمه غيره في لفظه ليبين من غيره. فإذا لم يكن الاسم علما ، أجري على القياس ، ورفع على الابتداء والخبر ، وإنما وجب رفع العلم إذا نعت أو عطف عليه لأن السائل محتذ على كلام المتكلم فحكايته ـ لذكر العطف والنعت ـ تغنيه عن حكايته لإعرابه ، وإنما جازت الحكاية" بمن" ، ولم تجز" بأي" في الأسماء الأعلام لعلتين :
ـ إحداهما : أن السؤال بمن عن من يعقل أكثر من السؤال" بأي" ، وما كثر استعماله فهم أشد تغييرا له.
ـ والعلة الأخرى : أن" أيا" معربة ، فإذا سألوا بها ، فلا بد من رفعها فإذا فعلوا ذلك أتبعوها لفظ الاسم العلم على ما يوجبه القياس.