تنصبه" أن" وإنما مثلها سيبويه" بالذي" في أنها لا تعمل شيئا كما يعمل" الذي".
وأما" كدت أفعل" وما أشبهه ، فإنما لزموا فيه الفعل ، لأنه أريد بها الدلالة بصيغة الفعل على زمانه ومداناته وقرب مواقعته.
فإذا قلت : كدت أفعل كذا ، فلست بمخبر أنك فعلته ولا أنك عريت منه عري من لم يرمه ، ولكنك رمته وتعاطيت أشياء منه حتى لم يبق بينك وبينه إلا مواقعته لفعله ، أو على حد فعله. ولفظ : " كدت أفعل" ، أدل على حقيقة المعنى وأحضر في اللفظ.
ومثله : عسى زيد أن يقوم ، ومعناه عسى زيد القيام ، إلا أن القيام لا يدل على زمان محصل فلزموا اللفظ الذي يدل على زمان بعينه ، وإذا قلت : " عسى الغوير أبؤسا".
ومعنى قوله : " فتركوا الفعل حين خزلوا أن ولم يستعملوا الاسم لئلا ينقضوا هذا المعنى".
أي : حذفوا" أن" في قولهم : جعل يقول ، وأخذ يقول ، ولم يستعملوا المصدر لئلا ينقضوا مقاربة الحال كما فعلوا في : " كاد يفعل" لأن لفظ الفعل مجردا يدل على الحال ولا يدل عليه المصدر ومعنى" تركوا الفعل" أي : أبقوه ولم يحذفوه.
هذا باب إذن
مذهب سيبويه أن" إذن" هي العاملة الناصبة ، وذكر أن مذهب الخليل ذلك في ما سمعه هو منه ، وذكر عن غيره الخليل أن (أن) بعدها مضمرة ، واحتج عليه بما ذكره آخر الباب.
واعلم أن" إذن" تلغى من بين حروف النصب وجاز ذلك لأنها جواب يكفي من بعض كلام المتكلم ، كما تكفي" نعم" و" لا" من كلامه. يقول القائل : إن تزرني أزرك ، فيجاب : إذن أزورك والمعنى : أزورك للشرط الذي شرطت فنابت" إذن" عن الشرط ، وكفت من ذكره. ويقول : أزيد في الدار؟. فيقال له : نعم أو لا فينوب" نعم" و" لا" عن قوله : زيد في الدار ، وما زيد في الدار ، فلما كانت" إذن" جوابا ، قويت في الابتداء لأن الجواب لا يتقدمه كلام ، ولما وسطت وأخرت ، زايلها مذهب الجواب فبطل عملها.
وأنشد لابن عنمة الضبي :
* أردد حمارك لا تنزع سويته |
|
إذن يرد وقيد العير مكروب (١) |
فأعلم" إذن" لأنها جواب مبتدأ ، والمعنى : يرد إن لم تردده فنابت" إذن" عن هذا المعنى ، وقدمت فأعملت. والسوية : البرذعة ، وقيل هو شيء يكون تحت البرذعة.
__________________
(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤١١ ، المفضليات ٣٨٣ ، المقتضب ٢ / ١٠ ، شرح النحاس ٢٦٩ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١٠٠ ، شرح الحماسة للأعلم ١ / ٢٦.