هذا باب الفاعل الذي لم يتعده فعله إلى مفعول
اعلم أن هذا الباب مشتمل على تراجم أبواب هي مفصلة بعده بابا بابا ، بما يتضمنه من أصوله ومسائله.
قوله في هذا الباب : «وما يجري من الصفات التي لم تبلغ» إلى قوله : «مجراها»
يريد : حسن الوجه وبابه ، وتقدير اللفظ في هذا الفصل وما يجري من الصفات مجرى أسماء الفاعلين ، فالهاء في «مجراها» تعود إلى أسماء الفاعلين.
وقوله : «وما أجرى مجرى الفعل وليس بفعل» يعني : إن وأخواتها.
وقوله : «وما جرى من الأسماء» إلى آخر الباب. يعني به : ما ينصب من الأسماء عن طريق التمييز كقولك : هذه عشرون درهما ، وما أشبهه ذلك ، فهذا أضعف عوامل الأسماء ؛ لأنه لا يعمل إلا في منكور ، ولا يتقدم عليه ما يعمل فيه.
إن قال قائل : لم كان الفاعل مرفوعا دون أن يكون منصوبا أو مخفوضا؟
فالجواب : أن الفاعل واحد والمفعول جماعة ؛ لأن الفعل قد يتعدى إلى مفعول ومفعولين ، وأكثر من ذلك ، فكثر المفعولون فاختير لهم أخف الحركات ، وجعل للفاعل ـ إذ كان واحدا ـ أثقل الحركات ؛ لأن إعادة ما خف ، تكريره في الأسماء الكثيرة أيسر مؤونة مما يثقل.
ووجه آخر : وهو أن الفاعل أول لا يستغنى عنه والمفعول بعد الفاعل في ترتيبه. فلما كان كذلك ، وكانت الحركات مختلفة المواضع لاختلاف مواضع الحروف المأخوذة منها ، أعطي الفاعل أول الحركات وهي الضمة لأنها من الشفتين. وأعطي المفعول ـ لأنه الآخر في الرتبة ـ آخر الحركات وهي الفتحة ؛ لأنها من الألف كما كانت الضمة من الواو.
واعلم أن قول النحويين : فاعل وفعل ليس القصد فيه أن يكون الفاعل مخترعا للفعل على حقيقته ، وإنما يقصد في ذلك إلى اللفظ الذي لقب فعلا لدلالته بصيغته على الفعل المرتبط بالأزمنة المختلفة ، فسواء كان مخترعا أو غير مخترع رفع الاسم به ، وسمي فاعلا له من طريق النحو لا على حقيقة الفعل ، ألا ترى أنك تقول : مات زيد وهو لم يفعل موتا ، وتقول من طريق النحو : مات فعل ماض ، وزيد فاعله. وكذلك : طلعت الشمس ، ونظف الثوب ويتمت البنت.
قال سيبويه بعد أن مثل فعل الفاعل وهو : ذهب زيد. وفعل المفعول نحو : ضرب زيد : «فالأسماء المحدث عنها» إلى قوله : «وهو الذهاب والجلوس والضرب».
يعني : أنك إذا قلت : ذهب زيد ، وجلس عمر ، فقد دللت على ذهاب من زيد وجلوس