" فأم" في الموضعين منقطعة ، ولو استعملت" أو" هنا لجاز ، ولا فرق بينهما لما تقدم من أن" أم" لجملتين (و) " أو" لجملة واحدة.
يقول : هل ما اطلعت عليه من سر هذه الجارية التي نأت عنك واستودعتك إياه مكتوم عندك لا تبوح به أم تقطع حبلها؟ أو تبوح بسرها أم هل تجازيك على بكائك في أثرها لمفارقتك إياها وأنت شيخ كبير؟ : " لم يقض عبرته" ، أي : دام البكاء فلم تنقطع دموعه.
والشكم : العطاء جزاء ، فإن كان ابتداء فهو شكر.
هذا باب آخر من أبواب أو
اعلم أن" أو" حقيقتها أن تفرد من شيء ، ووجوه الإفراد تختلف فتتقارب في حال وتتباعد في أخرى ، وهي في ذلك ترجع إلى الأصل الذي وضعت له. فمن ذلك قولك : " جاءني زيد أو عمرو" ، فالأصل فيه أن أحدهما جاءك ، والأكثر في استعمال ذلك أن يكون المتكلم شاكا لا يدري أيهما الجائي.
وقد يجوز أن يكون غير شاكّ ، إلا أنه أبهمه على السامع لحال قصدها في ذلك وقد يحسن أن يبين أشياء يتناولها كلها الفعل في أوقات مختلفة فيراد بذكر" أو" إفراد كل واحد منهما في وقته كقولك إذا قيل لك : ما تأكل من الطعام؟ فتقول : برا أو أرزا أو لحما أو سمكا ، أي أفرد مرة هذا أو مرة هذا ، فدخلت" أو" للإفراد ، ولو جئت" بالواو" لجاز أن يتوهم الجمع بينهما في وقت واحد ، فإذا أراد بيان الإفراد ، جاء" بأو".
فهذا بيان" أو" في الإخبار ، فإذا وقعت في الأمر فهي على وجهين كلاهما للإفراد : فأحد الوجهين : أن يكون أحد الأمرين إذا اختاره لا يتخطاه ويكون الآخر عليه محظورا وهذا الذي يسمى التخيير.
والوجه الآخر : أن يكون اختيار كل واحد من الأمرين من غير حظر الآخر عليه ، وهذا يسمى الإباحة.
واعلم أن الاسمين إذا كانت بينهما" أو" فلا معادلة بينهما ولا تسوية وهما كاسم واحد مبهم يجوز أن يعادل بينه ـ مبهما ـ وبين آخر كقولك : أزيدا أو عمرا رأيت أم بشرا؟ ، فزيد و" عمرو" ـ لدخول" أو" بينهما ـ بمنزلة اسم واحد عودل بينه وبين" بشر" ، فكأنه قال : أأحد هذين رأيت أم بشرا؟
ومثله قول صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلّى الله عليه وسلّم :
* كيف رأيت زبرا؟ أأقطا أو تمرا؟
__________________
ـ السيرافي ٤ / ٦٣٠ ، شرح المفصل ٤ / ١٨ ، ٨ / ١٠٣ ، همع الهوامع ٢ / ٣٧ ، الخزانة ١١ / ٢٨٦.