كأنك قلت : ما أتاني إلا زيد وعمرو وجميع الباب مفهوم.
هذا باب يحذف المستثنى فيه استخفافا
وذلك قولك : ليس غير وليس إلا
اعلم أن هذا الحذف ، لا يستعمل إلا بعد ليس ، ولو كان مكان ليس غيرها من ألفاظ الجحد لم يجز الحذف ، لا تقول : (لم يكن إلا) ، و (لم يكن غير).
قال الأخفش : إذا أضفت" غير" جاز فيه الرفع والنصب ،
ـ فأما من نصب فقال : جاءني زيد ليس غيره ، فإنه يضمر الاسم فكأنه قال : ليس الجائي غيره أو ليس الآمر غيره.
ـ وأما من رفع : فإنه يضمر الخبر المنصوب كأنه قال : ليس غير هذا صحيحا ، أو نحو هذا مما يكون خبرا له. فإذا لم تضف" غير" ، فإن الأخفش أجاز فتحها وضمها على نية الإضافة وشبهها" بيا" (تيم تيم عدي) ، وزعم أن" تيم" الأول قد حذف منه المضاف إليه وبقي على لفظ ما هو مضاف غير منون.
ـ وذكر الأخفش أن بعضهم ينون" غير" لأنه في اللفظ غير مضاف
وأنشد سيبويه محتجّا للحذف ، للنابغة :
* كأنك من جمال بني أقيش |
|
يقعقع بين رجليه بشنّ |
يريد كأنك جمل.
قال الزجاج : خص بني أقيش لأنه يقال هم من الجن ، فجمالهم بها هوج.
والشن : القربة البالية. والقعقعة : صوت الجلد البالي.
وأنشد أيضا :
* لو قلت ما في قومها لم تيثم |
|
يفضلها في حسب وميسم |
أي : ما في قومها أحد يفضلها. وكسر التاء من تيثم ، وكسرها لغة وبعدها ألف فانقلبت بانكسار ما قبلها.
وأنشد لابن مقبل :
* وما الدهر إلا تارتان فمنهما |
|
أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح (١) |
أراد : فمنهما : تارة أموت فيها. ومعنى أكدح : أسعى وأجهد ، وكثيرا ما يأتي الحذف مع" من" لأنها تدل على التبعيض وأقل أجزاء العدد واحد. وقد جاء في القرآن : وإن من أهل
__________________
(١) ديوانه ٢٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٧٦ ، معاني القرآن ٢ / ٣٢٣ ، المقتضب ٢ / ١٣٨ ، الكامل ٣ / ١٧٩ ، إعراب القرآن ١ / ٣٠٦ ، شرح النحاس (٨٥ ، ٢٥٤).