الكتاب إلا ليؤمنن به وجاء الحذف مع في ، وليس مثل" من" في الكثرة.
وأنشد أيضا للعجاج :
* بعد اللّتيّا واللّتيّا والتي |
|
إذا علتها أنفس تردّت (١) |
فحذف صلة هذه الموصولات ، وأراد شدة الأمر وعظمه ، فكأنه قال بعد الحال التي تناهت شدتها وعظمت بليّتها ، وهذا احتجاج من سيبويه في حذف الاسم بعد إلا.
وقوله : إذا علتها أنفس صلة لما قبلها لا محالة ، وإنما يعني بعد مراكب من الهول والشدة إذا ركبتها تردت أي : هلكت. فيجوز أن تكون صلة أخراها وصلة الأوليين محذوفة ويجوز أن يكون جعلها كشيء واحد ، لأنها في مذهب واحد ، فجعل الصلة لها كلها. ويجوز أن يكون تصغير اللتيا ـ لما كان دلالة على الشدة والجهد ـ عرف معناه فأغنى عن الصلة.
ومن كلامهم أن يصغروا الأمر الجليل وهم يريدون تعظيمه كما قال :
دويهة تصفرّ منها الأنامل.
هذا باب" لا يكون" و" ليس" وما أشبههما
ذكر سيبويه في هذا الباب : " عدا" و" خلا" و" مثلهما"" يجاوز" وأبعد الاستثناء بجاوز.
فإن قال قائل : لم لم يستثن بها كما استثنى" بعدا" و" خلا" و" جاوز" أبين وأجلى في المعنى ، وإليه رد سيبويه" عدا" و" خلا" حين مثلهما؟
فالجواب : أن اللفظين قد يجتمعان في معنى ، ثم يختص أحدهما بموضع لا يشاركه فيه الآخر كالعمر والعمر في البقاء ، ثم يختص العمر باليمين وله نظائر كثيرة. ومن أجل هذا لم يجز في الاستثناء : " لم يكن" و" ما كان" في موضع" ليس" و" لا يكون".
وقد قيل : إن عداني الشيء ، يقال في ما قرب منك وكاد يقع بك" وجاوز" قد تقع في ما تباعد وفي ما قرب ، تقول : جاوزنا الغيم ولا يقال : عدانا الغيم ، لتباعده عنا. وقدر سيبويه" ما عدا" و" ما خلا" بالمصدر كأنه قال مجاوزتهم.
إن قيل : على أي شيء انتصب هذا المصدر؟
فالجواب : أنه كالمصدر الذي يوضع موضع الحال في قولك : (رجع عوده على بدئه) ، كأنه قال : أتاني القوم مجاوزين زيدا وخالين من زيد.
فأما : إلا أن يكون فإن الاستثناء" بإلا" والمستثنى" أن" مع" يكون" وهما في تقدير المصدر. فإذا قلت : أتوني إلا أن يكون زيد فتقديره في اللفظ : إلا كون زيد ، ومعناه : إلا
__________________
(١) ديوان العجاج (٦) ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٧٦ ، نوادر أبي زيد ١٢٢ ، شرح النحاس ٢٥٤ ، المقتضب ٢ / ٢٨٩ ، شرح السيرافي ٤ / ١٤٥.