فنصب «عائذا» على الحال المؤكدة بها كأنه قال : أعوذ بك عائذا.
ومثله :
* أراك جمعت مسألة وحرصا |
|
وعند الحق زحارا أنانا (١) |
كأنه قال : زحيرا وأنينا ، هذا قول سيبويه.
فأجرى زحارا مجرى زاحر في أنه حال ، والعامل فيها الفعل المضمر على ما تقدم.
ويجوز أن تجعل أنينا مصدرا للفعل الذي يعمل في «زحار» أو «لزحار» نفسه ، فيكون التقدير : تزحر أنينا ؛ لأن معنى تزحر وتئن متقاربان فهو كقولك : تبسمت وميض البرق.
هذا باب ما جرى من الأسماء التي لم تؤخذ من الفعل
مجرى الأسماء التي أخذت من الفعل
وذلك قولك : أتميميّا مرة وأسديا أخرى.
هذا الباب مثل الذي قبله إلا أن الاسم هنا ليس بمأخوذ من فعل ، فأحوج إلى تقدير فعل يعمل فيه من غير لفظه مما شاهده في حاله.
قال سيبويه : «وحدثنا بعض العرب أن رجلا من بني أسد قال يوم جبلة ـ واستقبله بعير أعور فتطير منه فقال : يا بني أسد أعور وذا ناب».
فنصب كأنه قال : تستقبلون أعور ، وحذف الفعل للحالة الدالة عليه.
ويوم جبلة : يوم لبني عامر على بني أسد وذبيان وتطير هذا الأسدي على قومه من استقبالهم هذا البعير الأعور فحقق حذره وهزموا.
قال : «ومثل ذلك قول الشاعر» :
* أفي السلم أعيارا جفاء وغلظة |
|
وفي الحرب أشباه النساء العوارك (٢) |
هجاهم بما شاهدهم عليه من التنقل والتلون بكونهم في حال السلم مثل الحمير من قوتهم وغلظتهم على الأهل ، وفي الحرب : مثل النساء الحيض من اللين والانقباض توبيخا لهم ، لأنهم في الحالتين على طريق الذم.
وقال آخر :
* أفي الولائم أولادا لواحدة |
|
وفي العيادة أولادا لعلات (٣) |
هذا أيضا ذم ؛ لأنه وصفهم بالنهم والتواصل من أجل الطعام ، فإذا كانوا في الولائم كانوا متآلفين كأنهم إخوة بنو أم واحدة ، وفي قضاء حقوق بعضهم لبعض متقاطعين
__________________
(١) شرح الأعلم ١ / ١٧١ ، شرح النحاس ١٥٠ ، شرح السيرافي ٣ / ١٢٢.
(٢) شرح الأعلم ١ / ١٧٢ ، الكامل ٣ / ١٧٤ ، المقتضب ٣ / ٢٦٥.
(٣) شرح الأعلم ١ / ١٧٢ ، الكامل ٣ / ١٧٤ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٣٨٢.