هذا باب إنما
بين سيبويه في هذا الباب أن" إنما" بمنزلة" أن" في أنها مع ما بعدها بمنزلة المصدر ، ولا فرق بينهما إلا امتناع" إنما" من العمل بدخول" ما" كافة عليها ، وهو معنى قول الخليل : " أنها بمنزلة فعل ملغى" ، أي : إن منزلتها منزلة فعل إذا نصبت اسمها ، فإذا كفت" بما" عن العمل صارت بمنزلة فعل ملغي كقولك : " أشهد لزيد خير منك" وما أشبهه.
وأنشد لابن الإطنابة :
* أبلغ الحرث بن ظالم المو |
|
عد والناذر النذور عليا |
أنما تقتل النيام ولا تقتل |
|
يقظان ذا سلاح كميّا (١) |
ففتح" أنما" حملا على" أبلغ" ولو كسر على معنى : " قل له : إنما تقتل النيام" ، لجاز وأبلغ في معنى" قل له".
ومعنى قوله : أنما تقتل النيام أن الحارث بن ظالم المري قتل خالد بن جعفر بن كلاب وهو نائم ، وسببه أن الحارث بن ظالم دخل على النعمان بن المنذر ، وخالد جالس معه يأكل تمرا ، فلما رآه النعمان ، قال : ادن يا حار فقال له خالد بن جعفر : من ذا الذي أراك تدني أبيت اللعن؟ قال : هذا الحارث بن ظالم.
قال خالد للحارث : ما أراني إلا حسن البلاء عندك ، قال : وما بلاؤك؟ قال : قتلت أشراف قومك فتركتك سيدهم قال : سأجزيك ببلائك.
وجلس يأكل معهم فلما خرج الحارث ، قال النعمان لخالد : ما أردت إلا أن تحرش هذا الكلب وأنت ضيف لي. قال خالد : إنما هو عبد من عبيدي ، ولو كنت نائما ما أيقظني ، فلما أمسى النعمان بعث إلى الحارث بن ظالم بظرف من خمر ليعتقه وأراد أن يشغله بذلك فصبه بينه وبين جيبه في كثيب ، فلما أمسى الحارث خرج بالسيف حتى أتى خالدا وهو في قبة من أدم فوضع السيف في بطنه ثم اتكأ عليه حتى قتله ، ثم تحمل من تحت ليلته حتى لحق بقريش.
فلما قال ابن الإطنابة هذا الشعر : أتاه الحارث متنكرا وهو نائم ، فأنبهه وهو لا يعرف الحارث ، فلما انتبه قال له :
البس سلاحك فإني مستنصرك ، فلبس سلاحه ومشى معه حتى تنحى عن البيوت فقال له الحارث : ألست يقظان ذا سلاح؟
__________________
(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٦٥ ، شرح السيرافي ٤ / ٥٣٤ ، شرح النحاس ٣٠٢ ، شرح ابن السيرافي ٤ / ١٩١ ، شرح المفصل ٨ / ٥٦.