هذا باب ما أجري من الأسماء مجرى المصادر التي يدعى بها
وذلك قولك : تربا وجندلا
اعلم أن هذا الباب يدعى فيه بجواهر لا أفعال لها ، وعبر عنها سيبويه «بأفعال» على جهة التمثيل لوقوعها موقع المصادر المدعو بها ، والرفع فيها أقوى من الرفع في المصادر.
وأنشد :
* لقد ألب الواشون ألبا بجمعهم |
|
فترب لأفواه الوشاة وجندل (١) |
معنى ألب : جمع ، وكنى بالترب والجندل عن الخيمة.
فتا : «ومثله : «فاها لفيك يريد فا الداهية» فجعل فاها منصوبا بمنزلة تربا ، كأنه قال : تربا لفيك ، وإنما يخصون في مثل هذا : الفم ؛ لأن أكثر المتالف فيما يأكله الإنسان أو يشربه من السم وغيره.
وجعل سيبويه هذا بدلا من اللفظ بقولك :
«دهاك الله» تقريبا ؛ لأنه في معنى الدعاء به.
وأنشد :
* تحسب هواس وأقبل أنني |
|
بها مفتد من واحد لا أغامره |
فقلت له : فاها لفيك فإنّها |
|
قلوص امرئ قاريك ما أنت حاذره (٢) |
يصف أسدا ، والهواس : من أسماء الأسد. وتحسب تحسس ويجوز أن يكون بمعنى اكتفى ، والمعنى أنه عرض لناقة له فحكى عن الأسد أنه توهم أنني أدع الناقة وأفتدي بها من الأسد ، وواجه هو الأسد.
وقوله : «لا أغامره» أي : لا أرد معه غمرات الموت. ويروى : «وأقبل أنني» فيكون تحسب على هذا بمعنى ظن ، وقوله : «فاها لفيك» دعاء عليه بإصابة الداهية له ، وهو على وجه التهدد.
قال : «والدليل على أنه يريد الداهية قوله» :
* وداهية من دواهي المنو |
|
ن يرهبها الناس لا فالها (٣) |
المعنى أنها لشناعتها وعظيم أمرها ، لا يدري الناس كيف يأتونها ويتوصلون إليها.
هذا باب ما أجري مجرى المصادر المدعو بها من الصفات
وذلك : هنيئا مريئا
وليس في الباب غير هذين الحرفين ، وإنما أفرد لهما بابا لأنهما صفتان يدعى بهما ، ألا
__________________
(١) شرح الأعلم ١ / ١٥٨ ، المقتضب ٣ / ٢٢٢ ، شرح النحاس ١٤٥ ، شرح السيرافي ٣ / ٨٤.
(٢) شرح الأعلم ١ / ١٥٩ ، نوادر أبي زيد ١٨٩ ، شرح النحاس ١٤٥ ، أمالي القالي ١ / ٢٣٦.
(٣) شرح الأعلم ١ / ١٥٩ ، شرح النحاس ١٤٦ ، شرح السيرافي ٣ / ٨٦.