وقد قالوا : " أحنك الشّاتين" و" آبل الناس" ولم يستعمل" أحنك" ولا آبل كأنهم قدروا له فعلا ، وقد قالوا : آبل ، وإن لم يكن له فعل ، كما قالوا : رامح ونابل ، وإن لم يكن له فعل ، وآبل : فاعل وبناء فاعل يجري على الفعل فصار كأن له فعلا. ومثله مما ليس في الباب : فارس وما أفرسه وهو أفرس الناس ، ولم يستعمل منه فعل فأجروه على ما ذكرته لك ، فاعلمه.
هذا باب ما يكون يفعل
من فعل فيه مفتوحا
اعلم أن حروف الحلق مستثقلة على اللسان ، والحركات ثلاث ، وكل حركة منها ، مأخوذة من حرف من الحروف ، فالضمة من الواو والكسرة من الياء ، والفتحة من الألف.
ومخرج الواو من بين الشفتين ، والياء من وسط اللسان ، واللف من الحلق.
فإذا كانت حروف الحلق عينات أو لامات ثقل عليهم أن يضموا أو يكسروا ، لأنهم إذا ضموا فقد تكلفوا الضمة من بين الشفتين ، وإن كسروا فقد تكلفوا الكسرة من وسط اللسان. وإن فتحوا ، فالفتحة من الحلق ، فثقل الضم والكسر ؛ لأن حرف الحلق مستثقل والحركة عالية متباعدة منه ، فحركوه بحركة من موضعه وهي الفتح ؛ لأن ذلك أخف عليهم وأقل مشقة.
قوله بعد ذكره فتح ما يفتح من أجل حرف الحلق ولم يفعل هذا بما هو من موضع الواو ولا الياء إلى قوله وكرهوا أن يتناول للذي قد سفل حركة من هذا الحيز.
يريد أن ما كان من موضع الواو والياء من الحروف ، لا يلزمه أن تكون الحركة مأخوذة من الواو ولا من الياء بل يجيء على قياسه. ولا تغيّر الياء ولا الواو حكم القياس فيه. والذي هو من مخرج الواو : الياء والميم والذي هو من الياء الجيم والشين ، تقول : ضرب يضرب ، وشتم يشتم ، فتكسر هذه الحروف ، وإن كان الباء والميم من مخرج الواو. وتقول : مجن يمجن ، ومشق يمشق فلم يكسر ذلك من أجل الياء ؛ لأن موضع الواو والياء بمنزلة ما هو من مخرج واحد لاجتماعهما في العلو على الحلق وتقارب ما بينهما ـ فاعلم ذلك.
هذا باب ما هذه الحروف فيه فاءات
بيّن في هذا الباب أن حرف الحلق إذا كان فاء الفعل ، وكان الماضي على فعل لم يأت مستقبله على يفعل ، فرق بينه وبين ما كان حرف الحلق عينه ولامه ، بأنه إذا كان فاء الفعل فهو يسكن في المستقبل فلا يوجب فتح ما بعده لضعفه بالسكون ، ثم شبه ذلك بالإدغام في أن الأول يتبع الثاني.
يريد : أن عين الفعل يجوز أن تتبع لام الفعل إذا كانت لام الفعل من حروف الحلق ، كما أن الحرف الأول يدغم في ما بعده ، ولا تتبع عين الفعل فاءه ؛ لأن الفاء قبل العين.