ويقوي ما حكاه سيبويه والخليل حكاية أبي عمرو الشيباني عن أحد مما يأخذ عنه اللغة من العرب أنه أنشد :
* إذا ما أتيت بني مالك |
|
فسلم على أيّهم أفضل (١) |
ومذهب الخليل أنه محمول على الحكاية وإنما وجهه على هذا لأن العرب لما تكلمت به مرفوعا ـ وهو شاذ والقياس عندهم : اضرب أيّهم أفضل بالنصب ـ كان حمله على الحكاية أقوى عنده من حمله على البناء الذي اختاره سيبويه.
ويقوي مذهب سيبويه في البناء أن" أيّا" نظيره" من" و" ما" ، وهما مبنيتان ، وكان حق" أيهم" أن يكون مبنيّا ، فلما دخل" أيهم" نقص في العائد ضعف ، فرد إلى أصله من البناء كما أن" ما" في لغة أهل الحجاز إذا تقدم خبرها أو أوجب ، ردت إلى ما يوجبه القياس من بطلان عملها.
وأما يونس فزعم أن" اضرب" : معلقة بالجملة.
وهذا القول ضعيف ، وإنما تعلق أفعال القلوب على الاستفهام كقولك : انظر أيهم في الدار؟ واعرف أزيد في الدار أم عمرو؟
وتعليقه أن يبطل علة ما بعده.
ومعنى قول سيبويه : ومن قال : امرر على أيهم أفضل قال : امرر بأيهم أفضل.
كأنه قد سمع" على أيهم أفضل" أكثر من" بأيهم أفضل" ، فقاس" بأيهم" قياس" على أيهم" لأنه لا فرق بينهما.
وإذا أفردت" أيّ" ، فالخليل ويونس فيها على مذهبهما من الرفع يقولان : اضرب أي أفضل ، وهو القياس على مذهبهما لأنه ليس بمبني عندهما ، وإنما هو مرفوع بالابتداء على التقدير الذي ذكر عنهما.
وسيبويه يرده إلى الأصل فيقول : " اضرب أيّا أفضل" ، ومن حجته : أنهم لو بنوه في الأصل لكان حقه أن لا ينون لأنه معرفة بمعنى" الذي" ، لأن المعرب الذي يبنى في حال إذا كان مفردا معرفة لم ينون ، كقولك : يا زيد ومن قبل ومن بعد. وإذا نكّر نوّن.
قال : ولو كانت العرب بنته في الإفراد لزمتنا متابعتهم ولا يلزم القياس على الشاذ في كل شيء.
وأنشد سيبويه للعباس بن مرداس :
* فأيي ما وأيك كان شرّا |
|
فسيق إلى المنية لا يراها (٢) |
__________________
(١) شرح السيرافي ٤ / ٢٥٠ ، الإنصاف ٢ / ٧١٥ ، مغني اللبيب ١ / ١٠٨ ، شرح المفصل ٣ / ١٤٧.
(٢) ديوانه ١٤٨ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٩٩ ، شرح النحاس ٢٦٥ ، شرح السيرافي ٤ / ٢٤٧.