وغيرهم قد دخلوا في النفي لاشتمال أحد عليهم ، فمن حيث جوزوا البدل من أحد ينبغي أن يجوزوه في القوم لأنهم بعض الآحدين.
وقال سيبويه محتجّا عليهم : " كان ينبغي ـ لمن قال ذلك ـ أن يقول : ما أتاني أحد إلا قد قال ذاك إلا زيد".
والصواب نصب زيد ، لأن المعنى : كلهم قالوا ذاك إلا زيدا وإنما ذكر هذا لأنه ألزم القائل ما ذكر من جواز : ما أتاني أحد إلا زيد ، ومنع : ما أتاني القوم إلا زيدا. بأن قال له : إن كان وجوب النصب لأن الذي قبل" إلا" جمع فقد قال الله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) [النور : ٦] فرفع بعد الجمع.
وإن كان جواز الرفع والبدل ، لأن الذي قبل" إلا" واحد ، فينبغي أن يجيز الرفع في قولهم : (ما أتاني أحد إلا (قد) قال ذاك إلا زيد).
والواجب فيه النصب. وإنما ألجأهم سيبويه إلى أن يقولوا إن الذي يوجب البدل أن يكون ما قبل إلا منفيّا فقط ، جمعا كان أو واحدا.
هذا باب ما حمل على موضع العامل
في الاسم والاسم لا على ما عمل في الاسم
قوله في هذا الباب : " ما علمت أن فيها إلا زيدا ، إنما جاز هذا لأنك تقول : ما علمت فيها زيدا ، وما علمت أن فيها زيدا بمعنى واحد. فمن حيث جاز ما علمت أن فيها إلا زيدا لأن أن للتوكيد والناصب لزيد في ما علمت فيها إلا زيدا : " علمت وفي ما علمت أن فيها إلا زيدا : " أن". ولو قلت : ما علمت أن إلا زيدا فيها لم يجز ، وذلك أن الاستثناء لا يجوز أن يكون في أول الكلام ، لا تقول : إلا زيدا قام القوم. وكذلك لا يجوز الاستثناء بعد حرف يدخل على جملة ويلي الحرف" إلا".
وأنشد في ما حمل على الموضع :
* يا ابني لبينى لستما بيد |
|
إلّا يدا ليست لها عضد (١) |
فبدل من موضع الباء وما عملت فيه. ويروى إلا يدا مخبولة العضد وهي التي بها وهن ، وهذا مثل ، أي : ليست بكما قوة إلا كقوة يد لا عضد لها ولا قوة.
قوله بعد أن ذكر : " إن أحدا لا يقول ذاك إلا زيدا" وقبحه بضمير هذا ، يعني يصير أن أحدا لا يقول ذاك بمنزلة : أعلم أن أحدا يقول ذاك ، كما صار هذا يعني رأيت أحدا لا يقول
__________________
(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٦٢ ، معاني القرآن ٢ / ١٠١ ، ٤١٦ ، المقتضب ٤ / ٤٢١ ، شرح النحاس ٢٤٠.