وقوله تعالى : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف : ١٨٥].
والاستفهام بها كثيرا ما يراد به الكناية عن التعجب أو التعجيب من شأن ما أضيفت إليه (أَيِ) لأن الشيء إذا بلغ من الكمال والعظمة مبلغا قويا يتساءل عنه ويستفهم عن شأنه ، ومن هنا نشأ معنى دلالة (أَيِ) على الكمال ، وإنما تحقيقه أنه معنى كنائي كثر استعماله في كلامهم ، وإنما هي الاستفهامية ، و (أَيِ) هذه تقع في المعنى وصفا لنكرة إمّا نعتا نحو : هو رجل أيّ رجل ، وإما مضافة إلى نكرة كما في هذه الآية ، فيجوز أن يتعلق قوله : (فِي أَيِّ صُورَةٍ) بأفعال خلقك ، فسوّاك ، فعدّلك» فيكون الوقف على (فِي أَيِّ صُورَةٍ).
ويجوز أن يتعلق بقوله (رَكَّبَكَ) فيكون الوقف على قوله (فَعَدَلَكَ) ويكون قوله (ما شاءَ) معترضا بين (فِي أَيِّ صُورَةٍ) وبين (رَكَّبَكَ).
والمعنى على الوجهين : في صورة أيّ صورة ، أي في صورة كاملة بديعة.
وجملة (ما شاءَ رَكَّبَكَ) بيان لجملة (عدلك) باعتبار كون جملة (عدلك) مفرعة عن جملة (فَسَوَّاكَ) المفرغة عن جملة (خَلَقَكَ) فبيانها بيان لهما.
و (فِي) للظرفية المجازية التي هي بمعنى الملابسة ، أي خلقك فسوّاك فعدلك ملابسا صورة عجيبة فمحل (فِي أَيِّ صُورَةٍ) محل الحال من كاف الخطاب وعامل الحال (عدلك) ، أو (رَكَّبَكَ) ، فجعلت الصورة العجيبة كالظرف للمصوّر بها للدلالة على تمكنها من موصوفها.
و (ما) يجوز أن تكون موصولة ما صدقها تركيب ، وهي في موضع نصب على المفعولية المطلقة و (شاءَ) صلة (ما) والعائد محذوف تقديره : شاءه. والمعنى : ركّبك التركيب الذي شاءه قال تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) [آل عمران: ٦].
وعدل عن التصريح بمصدر (رَكَّبَكَ) إلى إبهامه ب (ما) الموصولة للدلالة على تقحيم الموصول بما في صلته من المشيئة المسندة إلى ضمير الرب الخالق المبدع الحكيم وناهيك بها.
ويجوز أن تكون جملة (شاءَ) صفة ل (صُورَةٍ) ، والرابط محذوف و (ما) مزيدة للتأكيد ، والتقدير : في صورة عظيمة شاءها مشيئة معينة ، أي عن تدبير وتقدير.