مجردا عن معنى الظرفية في محل جر بحرف القسم ، وبذلك نتفادى من إشكال طلب متعلق (إِذا) وهو إشكال أورده العلامة الجنزي (١) على الزمخشري ، قال الطيبي وفي «المقتبس» قال الجنزي : «فاوضت جار الله في قوله تعالى : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) ما العامل في (إِذا)؟ فقال : العامل فيه ما تعلّق به الواو ، فقلت : كيف يعمل فعل الحال في المستقبل وهذا لأن معنا أقسم الآن ، وليس معناه أقسم بعد هذا (٢) فرجع وقال : العامل فيه مصدر محذوف تقديره : وهويّ النجم إذا هوى ، فعرضته على زين المشايخ (٣) فلم يستحسن قوله الثاني. والوجه أن (إِذا) قد انسلخ عنه معنى الاستقبال وصار للوقت المجرد ، ونحوه : آتيك إذا احمرّ البسر ، أي وقت احمراره فقد عرّي عن معنى الاستقبال لأنه وقعت الغنية عنه بقوله : آتيك اه. كلام الطيبي ، فقوله : فالوجه يحتمل أن يكون من كلام زين المشايخ أو من كلام صاحب «المقتبس» أو من كلام الطيبي ، وهو وجيه وهو أصل ما بنينا عليه موقع (إِذا) هنا ، وليس تردد الزمخشري في الجواب إلا لأنه يلتزم أن يكون (إِذا) ظرفا للمستقبل كما هو مقتضى كلامه في «المفصّل» مع أن خروجها عن ذلك كثير كما تواطأت عليه أقوال المحققين.
والهويّ : السقوط ، أطلق هنا على غروب الكوكب ، استعير الهويّ إلى اقتراب اختفائه ويجوز أن يراد بالهويّ : سقوط الشهاب حين يلوح للناظر أنه يجري في أديم السماء ، فهو هويّ حقيقي فيكون قد استعمل في حقيقته ومجازه.
وفي ذكر (إِذا هَوى) احتراس من أن يتوهم المشركون أن في القسم بالنجم إقرارا لعبادة نجم الشعرى ، وأن القسم به اعتراف بأنه إله إذ كان بعض قبائل العرب يعبدونها فإن حالة الغروب المعبر عنها بالهويّ حالة انخفاض ومغيب في تخيّل الرّائي لأنهم يعدّون طلوع النجم أوجا لشرفه ويعدون غروبه حضيضا ، ولذلك قال الله تعالى : (فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) [الأنعام : ٧٦].
__________________
(١) هو عمر بن عثمان بن الحسن الجنزي بفتح الجيم وسكون النون نسبة إلى جنزة أعظم مدينة بأرّان قرأ على أبي المظفر الأبيوردي وتوفي بمرو سنة ٥٥٠ ه.
(٢) يريد أن مقتضى حرف القسم فعل إنشائي حاصل في حال النطق ومقتضى (إذا) الزّمن المستقبل فتنافيا.
(٣) هو محمد بن أبي القاسم بن بايجوك البقّالي الأدمي أو الآدمي الخوارزمي النحوي أخذ اللغة والنحو عن الزمخشري ، وجلس بعد مكانه توفي سنة ٥٦٢ ه عن نيف وسبعين سنة.