ففي قوله : (سَبَّحَ) تعريض بالمشركين الذين أهملوا أهم التسبيح وهو تسبيحه عن الشريك والند.
واللام في قوله : (لِلَّهِ) لام التبيين. وفائدتها زيادة بيان ارتباط المعمول بعامله لأن فعل التسبيح متعدّ بنفسه لا يحتاج إلى التعدية بحرف ، قال تعالى : (فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ) [الإنسان : ٢٦] ، فاللام هنا نظيره اللام في قولهم : شكرت لك ، ونصحت لك ، وقوله تعالى : (وَنُقَدِّسُ لَكَ) [البقرة : ٣٠] ، وقولهم سقيا لك ورعيا لك ، وأصله : سقيك ورعيك.
و (ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعم الموجودات كلها فإن (ما) اسم موصول يعمّ العقلاء وغيرهم ، أو هو خاص بغير العقلاء فجرى هنا على التغليب ، وكلها دال على تنزيه الله تعالى عن الشريك فمنها دلالة بالقول كتسبيح الأنبياء والمؤمنين ، ومنها دلالة بالفعل كتسبيح الملائكة ، ومنها دلالة بشهادة الحال كما تنبئ به أحوال الموجودات من الافتقار إلى الصانع المنفرد بالتدبير ، فإن جعل عموم (ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مخصوصا بمن يتأتى منهم النطق بالتسبيح وهم العقلاء كان إطلاق التسبيح على تسبيحهم حقيقة.
وإن حمل العموم على ظاهره لزم تأويل فعل (سَبَّحَ) بما يشمل الحقيقة والمجاز فيكون مستعملا في حقيقته ومجازه.
والعزيز : الذي لا يغلب ، وهذا الوصف ينفي وجود الشريك في الإلهية.
و (الْحَكِيمُ) الموصوف بالحكمة ، وهي وضع الأفعال حيث يليق بها ، وهي أيضا العلم الذي لا يخطئ ولا يتخلف ولا يحول دون تعلقه بالمعلومات حائل ، وتقدما في سورة البقرة. وهذا الوصف يثبت أن أفعاله تعالى جارية على تهيئة المخلوقات لما به إصابة ما خلقت لأجله ، فلذلك عززها الله بإرشاده بواسطة الشرائع.
(لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢))
استئناف ابتدائي بذكر صفة عظيمة من صفات الله التي متعلقها أحوال الكائنات في السماوات والأرض وخاصة أهل الإدراك منهم.
ومضمون هذه الجملة يؤذن بتعليل تسبيح الله تعالى لأن من له ملك العوالم العليا والعالم الدنيوي حقيق بأن يعرف الناس صفات كماله.
وأفاد تعريف المسند قصر المسند على المسند إليه وهو قصر ادعائي لعدم الاعتداد