وإظهار اسم السماء والأرض دون ذكر ضميرهما لإدخال المهابة في نفوس السامعين بعظمة الربّ سبحانه.
وضمير (إِنَّهُ لَحَقٌ) عائد إلى (ما تُوعَدُونَ) [الذاريات : ٢٢]. وهذا من ردّ العجز على المصدر لأنه رد على قوله أول السورة (إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ) [الذاريات : ٥] وانتهى الغرض.
وقوله : (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) زيادة تقرير لوقوع ما أوعدوه بأن شبه بشيء معلوم كالضرورة لا امتراء في وقوعه وهو كون المخاطبين ينطقون. وهذا نظير قولهم : كما أن قبل اليوم أمس ، أو كما أن بعد اليوم غدا. وهو من التمثيل بالأمور المحسوسة ، ومنه تمثيل سرعة الوصول لقرب المكان في قول زهير :
فهن ووادي الرسّ كاليد للفم
وقولهم : مثل ما أنك هاهنا ، وقولهم : كما أنك ترى وتسمع.
وقرأ الجمهور (مِثْلَ) بالنصب على أنه صفة حال محذوف قصد منه التأكيد. والتقدير : إنه لحق حقا مثل ما أنكم تنطقون. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف مرفوعا على الصفة (لَحَقٌ) صفة أريد بها التشبيه.
و (ما) الواقعة بعد (مِثْلَ) زائدة للتوكيد. وأردفت ب (أنّ) المفيدة للتأكيد تقوية لتحقيق حقية ما يوعدون.
واجتلب المضارع في (تَنْطِقُونَ) دون أن يقال : نطقكم ، يفيد التشبيه بنطقهم المتجدد وهو أقوى في الوقوع لأنه محسوس.
[٢٤ ـ ٣٠] (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠))
انتقال من الإنذار والموعظة والاستدلال إلى الاعتبار بأحوال الأمم الماضية المماثلة للمخاطبين المشركين في الكفر وتكذيب الرسل. والجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا وغيّر أسلوب الكلام من خطاب المنذرين مواجهة إلى أسلوب التعريض تفننا بذكر قصة إبراهيم لتكون توطئة للمقصود من ذكر ما حلّ بقوم لوط حين كذبوا رسولهم ، فالمقصود هو ما بعد