الْعَصْفِ) للتحسين وللتذكير بمنة جمال الزرع حين ظهوره في سنبله في حقوله نظير وصف النخل بذات الأكمام ولأن في الموصوف ووصفه أقوات البشر وحيوانهم.
وقرأ الجمهور (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) برفع (الْحَبُ) ورفع (الرَّيْحانُ) ورفع (ذُو) ، وقرأه حمزة والكسائي وخلف برفع (الْحَبُ) و (ذُو) وبجر (الرَّيْحانُ) عطفا على (الْعَصْفِ). وقرأه ابن عامر بنصب الأسماء الثلاثة وعلامة نصب ذا العصف الألف. وكذلك كتب في مصحف الشام عطفا على (الْأَرْضَ) أو هو على الاختصاص.
و (الرَّيْحانُ) : ما له رائحة ذكية من الأزهار والحشائش وهو فعلان من الرائحة ، وإنما سمي به ما له رائحة طيبة. وهذا اعتبار وامتنان بالنبات المودعة فيه الأطياب مثل الورد والياسمين وما يسمى بالريحان الأخضر.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣))
الفاء للتفريع على ما تقدم من المنن المدمجة مع دلائل صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم وحقّية وحي القرآن ، ودلائل عظمة الله تعالى وحكمته باستفهام عن تعيين نعمة من نعم الله يتأتى لهم إنكارها ، وهو تذييل لما قبله.
و (أيّ) استفهام عن تعيين واحد من الجنس الذي تضاف إليه وهي هنا مستعملة في التقرير بذكر ضدّ ما يقربه مثل قوله : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١]. وقد بينته عند قوله تعالى : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) في سورة الأنعام [١٣٠] ، أي لا يستطيع أحد منكم أن يجحد نعم الله.
والآلاء : النعم جمع : إلي بكسر الهمزة وسكون اللام ، وألي بفتح الهمزة وسكون اللام وياء في آخره ويقال ألو بواو عوض الياء وهو النعمة.
وضمير المثنى في (رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) خطاب لفريقين من المخاطبين بالقرآن. والوجه عندي أنه خطاب للمؤمنين والكافرين الذين ينقسم إليهما جنس الإنسان المذكور في قوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ) [الرحمن : ٣] وهم المخاطبون بقوله : (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) [الرحمن : ٨] الآية والمنقسم إليهما الأنام المتقدم ذكره ، أي أن نعم الله على الناس لا يجحدها كافر بله المؤمن ، وكل فريق يتوجه إليه الاستفهام بالمعنى الذي يناسب حاله.