بملك غيره في الأرض إذ هو ملك ناقص فإن الملوك مفتقرون إلى من يدفع عنهم العوادي بالأحلاف والجند ، وإلى من يدبر لهم نظام المملكة من وزراء وقواد ، وإلى أخذ الجباية والجزية ونحو ذلك ، أو هو قصر حقيقي ، إذا اعتبرت إضافة (مُلْكُ) إلى مجموع (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فإنه لا ملك لمالك على الأرض كلها بله السماوات معها.
وهذا معنى صفته تعالى «الملك» ، وتقدم في آخر سورة آل عمران.
وجملة (يُحْيِي وَيُمِيتُ) بدل اشتمال من مضمون (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فإن الإحياء والإماتة ممّا يشتمل عليه معنى ملك السماوات والأرض لأنهما من أحوال ما عليهما ، وتخصيص هذين بالذكر للاهتمام بهما لدلالتهما على دقيق الحكمة في التصرف في السماء والأرض ولظهور أن هاذين الفعلين لا يستطيع المخلوق ادعاء أن له عملا فيهما ، وللتذكير بدليل إمكان البعث الذي جحده المشركون ، وللتعريض بإبطال زعمهم إلهية أصنامهم كما قال تعالى : (وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً) [الفرقان : ٣] ، ومن هذين الفعلين جاء وصفه تعالى بصفة «المحيي المميت».
وتقدم ذكر الإحياء والإماتة عند قوله تعالى : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) في أول سورة البقرة [٢٨].
وجملة (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تفيد مفاد التذييل لجملة (يُحْيِي وَيُمِيتُ) لتعميم ما دل عليه قوله : (يُحْيِي وَيُمِيتُ) من بيان جملة (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، وإنما عطفت بالواو وكان حق التذييل أن يكون مفصولا لقصد إيثار الإخبار عن الله تعالى بعموم القدرة على كل موجود ، وذلك لا يفيت قصد التذييل ، لأن التذييل يحصل بالمعنى.
(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣))
(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ).
استئناف في سياق تبيين أن له ملك السماوات والأرض ، بأن ملكه دائم في عموم الأزمان وتصرف فيهما في كل الأحوال ، إذ هو الأول الأزلي ، وأنه مستمر من قبل وجود كل محدث ومن بعد فنائه إذ الله هو الباقي بعد فناء ما في السماوات والأرض ، وذلك يظهر من دلالة الآثار على المؤثر فإن دلائل تصرفه ظاهرة للمتبصر بالعقل وهو معنى (الظَّاهِرُ) كما يأتي ، وأن كيفيات تصرفاته محجوبة عن الحس وذلك معنى (الْباطِنُ) تعالى كما سيأتي.