عبادتكم الآلهة ، وعلى الإعراض عن سماع القرآن ونحو ذلك أتغلبونه على ما رأى ببصره.
[١٣ ـ ١٨] (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨))
أي إن كنتم تجحدون رؤيته جبريل في الأرض فلقد رآه رؤية أعظم منها إذ رآه في العالم العلوي مصاحبا ، فهذا من الترقي في بيان مراتب الوحي ، والعطف عطف قصة على قصة ابتدئ بالأضعف وعقب بالأقوى.
فتأكيد الكلام بلام القسم وحرف التحقيق لأجل ما في هذا الخبر من الغرابة من حيث هو قد رأى جبريل ومن حيث أنه عرج به إلى السماء ومن الأهمية من حيث هو دال على عظيم منزلة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فضمير الرفع في (رَآهُ) عائد إلى (صاحِبُكُمْ) [النجم : ٢] ، وضمير النصب عائد إلى جبريل.
و (نَزْلَةً) فعلة من النزول فهو مصدر دال على المرة : أي في مكان آخر من النزول الذي هو الحلول في المكان ، ووصفها ب (أُخْرى) بالنسبة لما في قوله : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) [النجم : ٨] فإن التدلّي نزول بالمكان الذي بلغ إليه.
وانتصاب (نَزْلَةً) على نزع الخافض ، أو على النيابة عن ظرف المكان ، أو على حذف مضاف بتقدير : وقت نزلة أخرى ، فتكون نائبا عن ظرف الزمان.
وقوله : (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) متعلق ب (رَآهُ). وخصت بالذكر رؤيته عند سدرة المنتهى لعظيم شرف المكان بما حصل عنده من آيات ربه الكبرى ولأنها منتهى العروج في مراتب الكرامة.
و (سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) : اسم أطلقه القرآن على مكان علوي فوق السماء السابعة ، وقد ورد التصريح بها في حديث المعراج من الصحاح عن جمع من الصحابة.
ولعله شبه ذلك المكان بالسدرة التي هي واحدة شجر السدر إما في صفة تفرعه ، وإما في كونه حدا انتهى إليه قرب النبي صلىاللهعليهوسلم إلى موضع لم يبلغه قبله ملك. ولعله مبني على اصطلاح عندهم بأن يجعلوا في حدود البقاع سدرا.