لطفه تعالى برسوله صلىاللهعليهوسلم لأنه ربه فهو يربّه ويدبر نفعه ، ولتفيد الإضافة تشريف المضاف إليه.
وقوله تعالى : (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) ردّ على مقالة شيبة بن ربيعة قال في رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هو كاهن ، وعلى عقبة بن أبي معيط إذ قال : هو مجنون ، ويدل لكونه ردا على مقالة سبقت أنه أتبعه بقوله : (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ) [الطور : ٣٠] ما سيكون وما خفي مما هو كائن.
والكاهن : الذي ينتحل معرفة ما سيحدث من الأمور وما خفي مما هو كائن ويخبر به بكلام ذي أسجاع قصيرة. وكان أصل الكلمة موضوعة لهذا المعنى غير مشتقة ، ونظيرها في العبرية (الكوهين) وهو حافظ الشريعة والمفتي بها ، وهو من بني (لاوي) ، وتقدم ذكر الكهانة عند قوله تعالى : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ) في سورة الشعراء [٢١٠].
وقد اكتفي في إبطال كونه كاهنا أو مجنونا بمجرد النفي دون استدلال عليه ، لأن مجرد التأمل في حال النبي صلىاللهعليهوسلم كاف في تحقق انتفاء ذينك الوصفين عنه فلا يحتاج في إبطال اتصافه بهما إلى أكثر من الإخبار بنفيهما لأن دليله المشاهدة.
(أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠))
إن كانت (أَمْ) مجردة عن عمل العطف فالجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا ، وإلا فهي عطف على جملة (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) [الطور : ٢٩].
وعن الخليل كل ما في سورة الطور من (أم) فاستفهام وليس بعطف ، يعني أن المعنى على الاستفهام لا على عطف المفردات. وهذا ضابط ظاهر. ومراده : أن الاستفهام مقدر بعد (أم) وهي منقطعة وهي للإضراب عن مقالتهم المردودة بقوله : (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) [الطور : ٢٩] للانتقال إلى مقالة أخرى وهي قولهم : «هو شاعر نتربص به ريب المنون». وعدل عن الإتيان بحرف (بل) مع أنه أشهر في الإضراب الانتقالي ، لقصد تضمن (أَمْ) للاستفهام. والمعنى : بل أيقولون شاعر إلخ. والاستفهام المقرّر إنكاري.
ومناسبة هذا الانتقال أن أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بالدوام على التذكير يشير إلى مقالاتهم التي يردون بها دعوته فلما أشير إلى بعضها بقوله تعالى : (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) [الطور : ٢٩] انتقل إلى إبطال صفة أخرى يثلثون بها الصفتين المذكورتين قبلها وهي صفة شاعر.