الله بن طاهر (١) قائلا : قد أشكل عليّ قوله هذا : وقد صح أن القلم جفّ بما هو كائن إلى يوم القيامة. فقال : «إنها شئون يبديها لا شئون يبتديها» وقد أجمل الحسين بن الفضل الجواب بما يقنع أمثال عبد الله بن طاهر ، وإن كان الإشكال غير وارد إذ ليس في الآية أن الشئون تخالف ما سطره قلم العلم الإلهي ، على أن هذا الجواب لا يجري إلا على أحد الوجوه في تفسير قوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) كما علمت آنفا.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠))
تكرير لنظائره.
(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١))
هذا تخلّص من الاعتبار بأحوال الحياة العاجلة إلى التذكير بأحوال الآخرة والجزاء فيها انتقل إليه بمناسبة اشتمال ما سبق من دلائل سعة قدرة الله تعالى ، على تعريض بأن فاعل ذلك أهلّ للتوحيد بالإلهية ، ومستحق الإفراد بالعبادة ، وإذ قد كان المخاطبون بذلك مشركين مع الله في العبادة انتقل إلى تهديدهم بأنهم وأولياءهم من الجن المسوّلين لهم عبادة الأصنام سيعرضون على حكم الله فيهم.
وحرف التنفيس مستعمل في مطلق التقريب المكنّى به عن التحقيق ، كما تقدم في قوله تعالى : (قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) في سورة يوسف [٩٨].
والفراغ للشيء : الخلو عما يشغل عنه ، وهو تمثيل للاعتناء بالشيء ، شبّه حال المقبل على عمل دون عمل آخر بحال الوعاء الذي أفرغ مما فيه ليملأ بشيء آخر.
وهذا التمثيل صالح للاستعمال في الاعتناء كما في قول أبي بكر الصديق لابنه عبد الرحمن «افرغ إلى أضيافك» (أي تخل عن كل شغل لتشتغل بأضيافك وتتوفر على قراهم) وصالح للاستعمال في الوعيد ، كقول جرير :
ألان وقد فرغت إلى نمير |
|
فهذا حين كنت لها عذابا |
والمناسب لسياق الآية باعتبار السابق واللاحق ، أن تحمل على معنى الإقبال على
__________________
(١) هو من رجال دولة المأمون ، ولي خراسان. وولي الشام ومصر توفي سنة ٢٣١ ه وعمره ثمان وأربعون سنة ، وهو ممدوح أبي تمام.