بسم الله الرّحمن الرّحيم
٥٧ ـ سورة الحديد
هذه السورة تسمى من عهد الصحابة «سورة الحديد» ، فقد وقع في حديث إسلام عمر بن الخطاب عند الطبراني والبزار أن عمر دخل على أخته قبل أن يسلم فإذا صحيفة فيها أول سورة الحديد [٧] فقرأه حتى بلغ (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) فأسلم ، وكذلك سميت في المصاحف وفي كتب السنة ، لوقوع لفظ «الحديد» فيها في قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) [الحديد : ٢٥].
وهذا اللفظ وإن ذكر في سورة الكهف [٩٦] في قوله تعالى : (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) وهي سابقة في النزول على سورة الحديد على المختار ، فلم تسم به لأنها سميت باسم الكهف للاعتناء بقصة أهل الكهف ، ولأن الحديد الذي ذكر هنا مراد به حديد السلاح من سيوف ودروع وخوذ ، تنويها به إذ هو أثر من آثار حكمة الله في خلق مادته وإلهام الناس صنعه لتحصل به منافع لتأييد الدين ودفاع المعتدين كما قال تعالى : (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) [الحديد : ٢٥].
وفي كون هذه السورة مدنية أو مكية اختلاف قوي لم يختلف مثله في غيرها ، فقال الجمهور : مدنية. وحكى ابن عطية عن النقاش : أن ذلك إجماع المفسرين ، وقد قيل : إن صدرها مكي لما رواه مسلم في «صحيحه» والنسائي وابن ماجه عن عبد الله بن مسعود أنه قال : «ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) إلى قوله : (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) [الحديد : ١٦] إلا أربع سنين. عبد الله بن مسعود من أول الناس إسلاما ، فتكون هذه الآية مكية.
وهذا يعارضه ما رواه ابن مردويه عن أنس وابن عباس : أن نزول هذه الآية بعد ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة من ابتداء نزول القرآن ، فيصار إلى الجمع بين الروايتين