والباء للمصاحبة. والمعنى : اجعلوا العدل ملازما لما تقوّمونه من أموركم كما قال تعالى : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) [الأنعام : ١٥٢] وكما قال : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) [المائدة : ٨] ، فيكون قوله : (بِالْقِسْطِ) ظرفا مستقرا في موضع الحال ، أو الباء للسببية ، أي راعوا في إقامة التمحيص ما يقتضيه العدل ، فيكون قوله : (بِالْقِسْطِ) طرفا لغوا متعلقا ، وقد كان المشركون يعهدون إلى التطفيف في الوزن كما جاء في قوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) [المطففين : ١ ـ ٣]. فلما كان التطفيف سنة من سنن المشركين تصدت للآية للتنبيه عليه ، ويجيء على الاعتبارين تفسير قوله : (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) فإن حمل الميزان فيه على معنى العدل كان المعنى النهي عن التهاون بالعدل لغفلة أو تسامح بعد أن نهى عن الطغيان فيه ، ويكون إظهار لفظ الميزان في مقام ضميره تنبيها على شدة عناية الله بالعدل ، وإن حمل فيه على آلة الوزن كان المعنى النهي عن غبن الناس في الوزن لهم كما قال تعالى في سورة المطففين [٣] (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ).
والإخسار : جعل الغير خاسرا والخسارة النقص.
فعلى حمل الميزان على معنى العدل يكون الإخسار جعل صاحب الحق خاسرا مغبونا ؛ ويكون (الْمِيزانَ) منصوبا على نزع الخافض ، وعلى حمل الميزان على معنى آلة الوزن يكون الإخسار بمعنى النقص ، أي لا تجعلوا الميزان ناقصا كما قال تعالى : (وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) [هود : ٨٤] ، وقد علمت هذا النظم البديع في الآية الصالح لهذه المحامل.
[١٠ ـ ١٢] (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢))
عطف على (وَالسَّماءَ رَفَعَها) [الرحمن : ٧] وهو مقابله في المزاوجة والوضع يقابل الرفع ، فحصل محسّن الطباق مرتين ، ومعنى (وَضَعَها) خفضها لهم ، أي جعلها تحت أقدامهم وجنوبهم لتمكينهم من الانتفاع بها بجميع ما لهم فيها من منافع ومعالجات.
واللام في (لِلْأَنامِ) للأجل. والأنام : اختلفت أقوال أهل اللغة والتفسير فيه ، فلم يذكره الجوهري ولا الراغب في «مفردات القرآن» ولا ابن الأثير في «النهاية» ولا أبو البقاء الكفوي في «الكليات». وفسره الزمخشري بقوله : «الخلق وهو كل ما ظهر على وجه