النيابة في الأعمال في ديننا معارض لمقتضى الآية ، والقائلون بأن شرع غيرنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ ، منهم من أعمل عموم الآية وتأول الأخبار المعارضة لها بالخصوصية ، ومنهم من جعلها مخصّصة للعموم ، أو ناسخة ، ومنهم من تأول ظاهر الآية بأن المراد ليس له ذلك حقيقة بحيث يعتمد على عمله ، أو تأول السعي بالنية. وتأول اللام في قوله :(لِلْإِنْسانِ) بمعنى (على) ، أي ليس عليه سيئات غيره.
وفي تفسير سورة الرحمن من «الكشاف» : أن عبد الله بن طاهر قال للحسين بن الفضل : أشكلت عليّ ثلاث آيات. فذكر له منها قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) فما بال الأضعاف ، أي قوله تعالى : (فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) [البقرة : ٢٤٥] ، فقال الحسين : معناه أنه ليس له إلا ما سعى عدلا ، ولي أن أجزيه بواحدة ألفا فضلا (١).
[٤٠ ، ٤١] (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٤١))
يجوز أن تكون عطفا على جملة (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [النجم : ٣٨] فهي من تمام تفسير (بِما فِي صُحُفِ مُوسى * وَإِبْراهِيمَ) [النجم : ٣٦ ، ٣٧] فيكون تغيير الأسلوب إذ جيء في هذه الآية بحرف (أَنَ) المشددة لاقتضاء المقام أن يقع الإخبار عن سعي الإنسان بأنه يعلن به يوم القيامة (وذلك من توابع أن ليس به إلّا ما سعى) ، فلما كان لفظ (سَعْيَهُ) صالحا للوقوع اسما لحرف (أَنَ) زال مقتضي اجتلاب ضمير الشأن فزال مقتضي (أن) المخففة. وقد يكون مضمون هذه الجملة في شريعة إبراهيم ما حكاه الله عنه من قوله : (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) [الشعراء : ٨٧].
ويجوز أن لا يكون قوله مضمون قوله : (وَأَنَّ سَعْيَهُ) مشمولا لما في صحف موسى وإبراهيم فعطفه على (ما) الموصولة من قوله : (بِما فِي صُحُفِ مُوسى * وَإِبْراهِيمَ) [النجم : ٣٦ ، ٣٧] ، عطف المفرد على المفرد فيكون معمولا لباء الجر في قوله : (فِي صُحُفِ مُوسى) إلخ ، والتقدير : لم ينبأ بأن سعي الإنسان سوف يرى ، أي لا بد أن يرى ، أي يجازى عليه ، أي لم ينبأ بهذه الحقيقة الدينية وعليه فلا نتطلب ثبوت مضمون هذه الجملة في شريعة إبراهيم عليهالسلام.
و (سَوْفَ) حرف استقبال والأكثر أن يراد به المستقبل البعيد.
__________________
(١) انظر ما يأتي عند قوله تعالى : كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ في سورة الرحمن [٢٩].