بياء في آخره ، فكتب بدون ياء اعتدادا بحالة النطق به في الوصل إذ لا يقف القارئ عليه ولذلك قرأه جميع العشرة بدون ياء في حالة الوصل والوقف لأن الوقف عليه نادر في حال قراءة القارئين.
وقرأ الجمهور (الْمُنْشَآتُ) بفتح الشين ، فهو اسم مفعول ، إذا أوجد وصنع ، أي التي أنشأها الناس بإلهام من الله فحصل من الكلام منّتان منة تسخير السفن للسير في البحر ومنّة إلهام الناس لإنشائها.
وقرأه حمزة وأبو بكر عن عاصم بكسر الشين فهو اسم فاعل.
فيجوز أن يكون المنشئات مشتقا من أنشأ السير إذا أسرع ، أي التي يسير بها الناس سيرا سريعا. قال مجاهد : المنشئات التي رفعت قلوعها. والآية تحتمل المعنيين على القراءتين باستعمال الاشتقاق في معنيي المشتق منه ويكون في ذلك تذكيرا بنعمة إلهام الناس إلى اختراع الشراع لإسراع سير السفن وهي مما اخترع بعد صنع سفينة نوح.
ووصفت الجواري بأنها كالأعلام ، أي الجبال وصفا يفيد تعظيم شأنها في صنعها المقتضي بداعة إلهام عقول البشر لصنعها ، والمقتضى عظم المنّة بها لأن السفن العظيمة أمكن لحمل العدد الكثير من الناس والمتاع.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥))
تكرير لنظيره السابق.
[٢٦ ، ٢٧] (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧))
لما كان قوله : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) [الرحمن : ٢٤] مؤذنا بنعمة إيجاد أسباب النجاة من الهلاك وأسباب السعي لتحصيل ما به إقامة العيش إذ يسّر للناس السفن عونا للناس على الأسفار وقضاء الأوطار مع السلامة من طغيان ماء البحار ، وكان وصف السفن بأنها كالأعلام توسعة في هذه النعمة أتبعه بالموعظة بأن هذا لا يحول بين الناس وبين ما قدره الله لهم من الفناء ، على عادة القرآن في الفرص للموعظة والتذكير كقوله : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) [النساء : ٧٨]. وفائدة هذا أن لا ينسوا الاستعداد للحياة الباقية بفعل الصالحات ، وأن يتفكروا في عظيم قدرة الله تعالى ويقبلوا على توحيده وطلب مرضاته.