الإبل يورثها حمى في الأمعاء فلا تزال تشرب ولا تروى ، أي شاربون من الحميم شربا لا ينقطع فهو مستمرة آلامه.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة وأبو جعفر (شُرْبَ) بضم الشين اسم مصدر شرب ، وقرأ الباقون بفتح الشين وهو المصدر لشرب. ورويت عن ابن عمر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بسند صححه الحاكم ، وخبر الواحد لا يزيد المتواتر قوة فكلتا القراءتين متواتر.
والفاء في قوله : (فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ) عطف على (لَآكِلُونَ) لإفادة تعقيب أكل الزقوم ب (شُرْبَ الْهِيمِ) دون فترة ولا استراحة.
وإعادة (فَشارِبُونَ) توكيد لفظي لنظيره ، وفائدة هذا التوكيد زيادة تقرير ما في هذا الشرب من الأعجوبة وهي أنه مع كراهته يزدادون منه كما ترى الأهيم ، فيزيدهم تفظيعا لأمعائهم لإفادة التعجيب من حالهم تعجيبا ثانيا بعد الأول ، فإن كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه من تناهي الحرارة أمر عجيب ، وشربهم له كما تشرب الإبل الهيم في الإكثار أمر عجيب أيضا ، فكانتا صفتين مختلفتين.
(هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦))
اعتراض بين جمل الخطاب موجه إلى السامعين غيرهم فليس في ضمير الغيبة التفات.
والإشارة بقوله : (هذا) إلى ما ذكر من أكل الزقوم وشرب الهيم.
والنزل بضم النون وضم الزاي وسكونها ما يقدم للضيف من طعام. وهو هنا تشبيه تهكّمي كالاستعارة التهكمية في قول عمرو بن كلثوم :
نزلتم منزل الأضياف منا |
|
فعجّلنا القرى أن تشتمونا |
قرينانكم فعجلنا قراكم |
|
قبيل الصبح مرداة طحونا |
وقول أبي الشّعر الضبيّ ، واسمه موسى بن سحيم :
وكنا إذا الجبّار بالجيش ضافنا |
|
جعلنا القنا والمرهفات له نزلا |
و (يَوْمَ الدِّينِ) يوم الجزاء ، أي هذا جزاؤهم على أعمالهم نظير قوله آنفا (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الواقعة : ٢٤]. وجعل يوم الدين وقتا لنزلهم مؤذن بأن ذلك الذي عبر عنه بالنزل جزاء على أعمالهم. وهذا تجريد للتشبيه التهكمي وهو قرينة على التهكم كقول