والكفل : بكسر الكاف وسكون الفاء : النصيب. وأصله : الأجر المضاعف ، وهو معرب من الحبشية كما قاله أبو موسى الأشعري ، أي يؤتكم أجرين عظيمين ، وكل أجر منهما هو ضعف الآخر مماثل له فلذلك ثني كفلين كما يقال : زوج ، لأحد المتقاربين ، وهذا مثل قوله تعالى : (رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) [الأحزاب : ٦٨] وقوله : (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [الأحزاب : ٣٠]. وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ثلاثة يؤتون أجورهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيئه وآمن بي ، واتبعني ، وصدقني فله أجران» الحديث.
ويتعلق (مِنْ رَحْمَتِهِ) ب (يُؤْتِكُمْ) ، و (من) ابتدائية مجازيا ، أي ذلك من رحمة الله بكم ، وهذا في جانب النصارى معناه لإيمانهم بمحمد وإيمانهم بعيسى ، أي من فضل الله وإكرامه وإلا فإن الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم واجب عليهم كإيمانهم بعيسى وهو متمم للإيمان بعيسى وإنما ضوعف أجرهم لما في النفوس من التعلق بما تدين به فيعسر عليها تركه ، وأما في جانب المسلمين فهو إكرام لهم لئلا يفوقهم بعض من آمن بمحمد صلىاللهعليهوسلم من النصارى.
ويجوز أن يكون (مِنْ رَحْمَتِهِ) صفة ل (كِفْلَيْنِ) وتكون (من) بيانية ، والكلام على حذف مضاف ، تقديره : من أثر رحمته ، وهو ثواب الجنة ونعيمها.
وقوله : (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) تمثيل لحالة القوم الطالبين التحصيل على رضى الله تعالى والفوز بالنعيم الخائفين من الوقوع في ضد ذلك بحالة قوم يمشون في طريق بليل يخشون الخطأ فيه فيعطون نورا يتبصرون بالثنايا فيأمنون الضلال فيه. والمعنى : ويجعل لكم حالة كحالة نور تمشون به ، والباء للاستعانة مثل : كتبت بالقلم.
والمعنى : وييسّر لكم دلالة تهتدون بها إلى الحق.
وجميع أجزاء هذا التمثيل صالحة لتكون استعارات مفردة ، وهذا أبلغ أحوال التمثيل ، وقد عرف في القرآن تشبيه الهدى بالنور ، والضلال بالظلمة ، والبرهان بالطريق ، وإعمال النظر بالمشي ، وشاع ذلك بعد القرآن في كلام أدباء العربية.
والمغفرة : جزاء على امتثالهم ما أمروا به ، أي يغفر لكم ما فرط منكم من الكفر والضلال.
(لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ