ثم إن (تُمْنى) يحتمل أنه مضارع أمنى بهمزة التعدية وسقطت في المضارع فوزنه تأفعل ، ويحتمل أنه مضارع منى مثل رمى فوزنه : تفعل.
وبني فعل (تُمْنى) إلى المجهول لأن النطفة تدفعها قوة طبيعية في الجسم خفية فكان فاعل الإمناء مجهولا لعدم ظهوره.
وعن الأخفش (تُمْنى) تقدّر ، يقال : منى الماني ، أي قدّر المقدر. والمعنى : إذا قدر لها ، أي قدر لها أن تكون مخلّقة كقوله تعالى : (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) [الحج : ٥].
والتقييد ب (إِذا تُمْنى) لما في اسم الزمان من الإيذان بسرعة الخلق عند دفق النطفة في رحم المرأة فإنه عند التقاء النطفتين يبتدئ تخلق النسل فهذا إشارة خفية إلى أن البويضة التي هي نطفة المرأة حاصلة في الرحم فإذا أمنيت عليها نطفة الذكر أخذت في التخلق إذا لم يعقها عائق.
ثم لما في فعل (تُمْنى) من الإشارة إلى أن النطفة تقطر وتصب على شيء آخر لأن الصب يقتضي مصبوبا عليه فيشير إلى أن التخلق إنما يحصل من انصباب النطفة على أخرى ، فعند اختلاط الماءين يحصل تخلق النسل فهذا سر التقييد بقوله : (إِذا تُمْنى).
وفي الجمع بين الذكر والأنثى محسّن الطباق لما بين الذكر والأنثى من شبه التضاد.
ولم يؤت في هذه الجملة بضمير الفصل كما في اللتين قبلها لعدم الداعي إلى القصر إذ لا ينازع أحد في أن الله خالق الخلق وموقع جملة (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ) إلى آخرها كموقع جملة (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى) [النجم : ٤٠].
(وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (٤٧))
كان مقتضى الظاهر من التنظير أن يقدم قوله : (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى) [النجم : ٤٨] على قوله : (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى) لما في قوله : (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى) من الامتنان وإظهار الاقتدار المناسبين لقوله : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى * وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا* وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ) [النجم : ٤٣ ـ ٤٥] إلخ. إذ ينتقل من نعمة الخلق إلى نعمة الرزق كما في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) [الشعراء : ٧٨ ، ٧٩] وقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ) [الروم: ٤٠] ولكن عدل عن ذلك على طريقة تشبه الاعتراض ليقرن بين البيانين ذكر قدرته على النشأتين.