وأكد الخبر بحرف (إنّ) لتنزيل المخاطبين منزلة من ينكر سعة قدرة الله تعالى ، إذ أحالوا إعادة المخلوقات بعد بلاها.
(وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨))
القول في تقديم (الْأَرْضَ) على عامله ، وفي مجيء طريقة الاشتغال كالقول في (وَالسَّماءَ بَنَيْناها) [الذاريات : ٤٧]. وكذلك القول في الاستدلال بذلك على إمكان البعث.
من دقائق فخر الدين : أن ذكر الأمم الأربع للإشارة إلى أن الله عذّبهم بما هو من أسباب وجودهم ، وهو التراب والماء والهواء والنار ، وهي عناصر الوجود ، فأهلك قوم لوط بالحجارة وهي من طين ، وأهلك قوم فرعون بالماء ، وأهلك عادا بالريح وهو هواء ، وأهلك ثمودا بالنار.
واستغنى هنا عن إعادة (بِأَيْدٍ) [الذاريات : ٤٧] لدلالة ما قبله عليه.
والفرش : بسط الثوب ونحوه للجلوس والاضطجاع ، وفي (فَرَشْناها) استعارة تبعية ، شبه تكوين الله الأرض على حالة البسط بفرش البساط ونحوه.
وفي هذا الفرش دلالة على قدرة الله وحكمته إذ جعل الأرض مبسوطة لمّا أراد أن يجعل على سطحها أنواع الحيوان يمشي عليها ويتوسدها ويضطجع عليها ولو لم تكن كذلك لكانت محدودبة تؤلم الماشي بله المتوسد والمضطجع.
ولما كان في فرشها إرادة جعلها مهدا لمن عليها من الإنسان أتبع (فَرَشْناها) بتفريع ثناء الله على نفسه على إجادة تمهيدها تذكيرا بعظمته ونعمته ، أي فنعم الماهدون نحن.
وصيغة الجمع في قوله : (الْماهِدُونَ) للتعظيم مثل ضمير الجمع في [...] (١) ، وروعي في وصف خلق الأرض ما يبدو للناس من سطحها لأنه الذي يهم الناس في الاستدلال على قدرة الله وفي الامتنان عليهم بما فيه لطفهم والرفق بهم ، دون تعرض إلى تكويرها إذ لا يبلغون إلى إدراكه ، كما روعي في ذكر السماء ما يبدو من قبة أجوائها دون بحث عن ترامي أطرافها وتعدد عوالمها لمثل ذلك. ولذلك أتبع الاعتراض بالتذييل بقوله : (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) المراد منه تلقين الناس الثناء على الله فيما صنع لهم فيها من منّة
__________________
(١) كلمة غير واضحة في المطبوعة.