والأمر في (تَأْمُرُهُمْ) مستعار للباعث ، أي تبعثهم أحلامهم على هذا القول.
(أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ).
إضراب انتقالي أيضا متصل بالذي قبله انتقل به إلى استفهام عن اتصافهم بالطغيان. والاستفهام المقدر مستعمل : إما في التشكيك ليكون التشكيك باعثا على التأمل في حالهم فيؤمن بأنهم طاغون ، وإمّا مستعمل في التقرير لكل سامع إذ يجدهم طاغين.
وإقحام كلمة (قَوْمٌ) يمهّد لكون الطغيان من مقومات حقيقة القومية فيهم ، كما قدمناه في قوله تعالى : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) في سورة البقرة [١٦٤] ، أي تأصل فيهم الطغيان وخالط نفوسهم فدفعهم إلى أمثال تلك الأقوال.
[٣٣ ، ٣٤] (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٤))
انتقال متصل بقوله : (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ) [الطور : ٣٠] إلخ. وهذا حكاية لإنكارهم أن يكون القرآن وحيا من الله ، فزعموا أنه تقوّله النبي صلىاللهعليهوسلم على الله ، فالاستفهام إنكار لقولهم ، وهم قد أكثروا من الطعن وتمالئوا عليه ولذلك جيء في حكايته عنهم بصيغة (يَقُولُونَ) المفيدة للتجدد.
والتقول : نسبة كلام إلى أحد لم يقله ، ويتعدى إلى الكلام بنفسه ويتعدى إلى من ينسب إليه بحرف (على) ، قال تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) [الحاقة : ٤٤ ، ٤٥] الآية. وضمير النصب في (تَقَوَّلَهُ) عائد إلى القرآن المفهوم من المقام.
وابتدئ الرد عليهم بقوله : (بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) لتعجيل تكذيبهم قبل الإدلاء بالحجة عليهم وليكون ورود الاستدلال مفرّعا على قوله : (لا يُؤْمِنُونَ) بمنزلة دليل ثان. ومعنى (لا يُؤْمِنُونَ) : أن دلائل تنزيه النبي صلىاللهعليهوسلم عن تقوّل القرآن بيّنة لديهم ولكن الزاعمين ذلك يأبون الإيمان فهم يبادرون إلى الطعن دون نظر ويلقون المعاذير سترا لمكابرتهم.
ولما كانت مقالتهم هذه طعنا في القرآن وهو المعجزة القائمة على صدق رسالة محمدصلىاللهعليهوسلم وكانت دعواهم أنه تقوّل على الله من تلقاء نفسه قد تروج على الدهماء تصدى القرآن لبيان إبطالها بأن تحداهم بأن يأتوا بمثل هذا القرآن بقوله : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ