ولما كان ظاهر قوله : (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ) يوهم أنهم قد يشفعون فلا تقبل شفاعتهم ، وليس ذلك مرادا لأن المراد أنهم لا يجرءون على الشفاعة عند الله فلذلك عقب بالاستثناء بقوله : (إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) ، وذلك ما اقتضاه قوله: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨] وقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [البقرة : ٢٢٥] أي إلا من بعد أن يأذن الله لأحدهم في الشفاعة ويرضى بقبولها في المشفوع له.
فالمراد ب (لِمَنْ يَشاءُ) من يشاؤه الله منهم ، أي فإذا أذن لأحدهم قبلت شفاعته. واللام في قوله : (لِمَنْ يَشاءُ) هي اللام التي تدخل بعد مادة الشفاعة على المشفوع له فهي متعلقة بشفاعتهم على حد قوله تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) ، وليست اللام متعلقة ب (يَأْذَنَ اللهُ). ومفعول (يَأْذَنَ) محذوف دل عليه قوله : (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ) ، وتقديره : أن يأذنهم الله.
ويجوز أن تكون اللام لتعدية (يَأْذَنَ) إذا أريد به معنى يستمع ، أي أن يظهر لمن يشاء منهم أنه يقبل منه. ومعنى ذلك أن الملائكة لا يزالون يتقربون بطلب إلحاق المؤمنين بالمراتب العليا كما دل عليه قوله تعالى : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [غافر : ٧] وقوله: (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) [الشورى : ٥] فإن الاستغفار دعاء والشفاعة توجه أعلى ، فالملائكة يعلمون إذا أراد الله استجابة دعوتهم في بعض المؤمنين أذن لأحدهم أن يشفع له عند الله فيشفع فتقبل شفاعته ، فهذا تقريب كيفية الشفاعة. ونظيره ما ورد في حديث شفاعة محمد صلىاللهعليهوسلم في موقف الحشر.
وعطف (وَيَرْضى) على (لِمَنْ يَشاءُ) للإشارة إلى أن إذن الله بالشفاعة يجري على حسب إرادته إذا كان المشفوع له أهلا لأن يشفع له. وفي هذا الإبهام تحريض للمؤمنين أن يجتهدوا في التعرض لرضى الله عنهم ليكونوا أهلا للعفو عما فرطوا فيه من الأعمال.
[٢٧ ، ٢٨] (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨))
(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ).
اعتراض واستطراد لمناسبة ذكر الملائكة وتبعا لما ذكر آنفا من جعل المشركين اللّات والعزى ومناة بنات لله بقوله : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) إلى قوله : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ