بالوحي ، فكان من علم النبوءة أن إرسال الملائكة إلى الأرض بتلك الصورة لا يكون إلا لخطب قال تعالى : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) [الحجر : ٨].
والخطب : الحدث العظيم والشأن المهمّ ، وإضافته إلى ضميرهم لأدنى ملابسة.
والمعنى : ما الخطب الذي أرسلتم لأجله إذ لا تنزل الملائكة إلا بالحق. وخاطبهم بقوله: (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) لأنه لا يعرف ما يسميهم به إلا وصف أنهم المرسلون ، والمرسلون من صفات الملائكة كما في قوله تعالى : (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) [المرسلات : ١] عن أحد تفسيرين.
والمراد بالقوم المجرمين أهل سدوم وعمورية ، وهم قوم لوط ، وقد تقدمت قصتهم في سورة الأعراف وسورة هود.
والإرسال الذي في قوله : (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ) مستعمل في الرمي مجازا كما يقال : أرسل سهمه على الصيد ، وهذا الإرسال يكون بعد أن أصعدوا الحجارة إلى الجوّ وأرسلتها عليهم ، ولذلك سميت مطرا في بعض الآيات.
وحصل بين (أُرْسِلْنا) وبين (لِنُرْسِلَ) جناس لاختلاف معنى اللفظين.
والحجارة : اسم جمع للحجر ، ومعنى كون الحجارة من طين : أن أصلها طين تحجّر بصهر النار ، وهي حجارة بركانية من كبريت قذفتها الأرض من الجهة التي صارت بحيرة تدعى اليوم بحيرة لوط ، وأصعدها ناموس إلهي بضغط جعله الله يرفع الخارج من البركان إلى الجو فنزلت على قرى قوم لوط فأهلكتهم ، وذلك بأمر التكوين بواسطة القوى الملكية.
والمسوّمة : التي عليها السّومة أي العلامة ، أي عليها علامات من ألوان تدل على أنها ليست من الحجارة المتعارفة.
ومعنى (عِنْدَ رَبِّكَ) أن علاماتها بخلق الله وتكوينه.
والمسرفون : المفرطون في العصيان ، وذلك بكفرهم وشيوع الفاحشة فيهم ، فالمسرفون: القوم المجرمون ، عدل عن ضميرهم إلى الوصف الظاهر ، لتسجيل إفراطهم في الإجرام.
[٣٥ ـ ٣٧] (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧))