وهي طريقة شائعة في القرآن إكثارا للمعاني ، ومنه الحديث : «لو يعلم الناس ما في الصف الأول لاستبقوا إليه أو استهموا إليه».
وليس في الآية دليل على أن الجنة غير مخلوقة الآن إذ وجه الشبه في قوله : (كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) هو السعة لا المقدار ولا على أن الجنة في السماء الموجودة اليوم ولا عدمه ، وتقدم من معنى هذه الآية قوله : (سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) الآية في سورة آل عمران [١٣٣].
وظاهر قوله : (أُعِدَّتْ) أن الله خلقها وأعدّها لأن ظاهر استعماله الفعل في الزمان الماضي إن حصل مصدره فيه ، فقد تمسك بهذا الظاهر الذين قالوا : إن الجنة مخلوقة الآن ، وأما الذين نفوا ذلك فاستندوا إلى ظواهر أخرى وتقدم ذلك في سورة آل عمران.
وعلم من قوله : (أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) أن غيرهم لا حظ لهم في الجنة لأن معنى اعداد شيء لشيء قصره عليه.
وجمع الرسل هنا يشمل كل أمة آمنوا بالله وبرسولهم الذي أرسله الله إليهم ، وليس يلزمها أن تؤمن برسول أرسل إلى أمة أخرى ولم يدع غيرها إلى الإيمان به.
والإشارة في (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ) إلى المذكور من المغفرة والجنة.
[٢٢ ، ٢٣] (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (٢٣))
لما جرى ذكر الجهاد آنفا بقوله : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) [الحديد : ١٠] وقوله : (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) [الحديد : ١٩] على الوجهين المتقدمين هنا لك ، وجرى ذكر الدنيا في قوله : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) [الحديد : ٢٠] وكان ذلك كله مما تحدث فيه المصائب من قتل وقطع وأسر في الجهاد ، ومن كوارث تعرض في الحياة من فقد وألم واحتياج ، وجرى مثل الحياة الدنيا بالنّبات ، وكان ذلك ما يعرض له القحط والجوائح ، أتبع ذلك بتسلية المسلمين على ما يصيبهم لأن المسلمين كانوا قد تخلقوا بآداب الدنيا من قبل فربما لحقهم ضر أو رزء خارج عن نطاق قدرتهم وكسبهم فأعلموا أن ذلك مما اقتضاه ارتباط أسباب الحوادث بعضها ببعض على